دَعَاهُ النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» عِنْدَ احْتِضَارِهِ فَقَالُوا لِأَبِي طَالِبٍ: «أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةٍ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»
. وَاجْتِلَابُ (كَانَ) لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ عِبَادَتَهُمْ أَمْرٌ قَدِيمٌ مَضَتْ عَلَيْهِ الْعُصُورُ.
وَالتَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مُضَارِعًا فِي قَوْلِهِ: يَعْبُدُ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُتَكَرِّرٌ مِنْ آبَائِهِمْ وَمُتَجَدِّدٌ وَأَنَّهُمْ لَا يَفْتَرُونَ عَنْهُ.
وَمَعْنَى أَجِئْتَنا أَقَصَدْتَ وَاهْتَمَمْتَ بِنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ فَاسْتُعِيرَ فِعْلُ الْمَجِيءِ لِمَعْنَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّحَفُّزِ وَالتَّصَلُّبِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: ذَهَبَ يَفْعَلُ، وَفِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: ١، ٢] وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى [النازعات: ٢٢، ٢٣] وَفِرْعَوْنُ لَمْ يُفَارِقْ مَجْلِسَ مُلْكِهِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ أَنَّهُ أَعْرَضَ وَاهْتَمَّ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ ذَهَبَ يَفْعَلُ كَذَا قَالَ النَّبَهَانِيُّ:
فَإِنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا ... وَإِنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ
فَقَصَدُوا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَجِيءِ زِيَادَةَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَتَسْفِيهَهُ عَلَى اهْتِمَامِهِ بِأَمْرٍ مِثْلِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ.
ووَحْدَهُ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرِ أَوْحَدَهُ: إِذَا اعْتَقَدَهُ وَاحِدًا، فَقِيَاس الْمصدر الإيجاد، وَانْتَصَبَ هَذَا الْمَصْدَرُ عَلَى الْحَالِ: إِمَّا مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَيْ مُوَحَّدًا أَيْ مَحْكُومًا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَقَالَ يُونُسُ:
هُوَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُوَحِّدِينَ لَهُ فَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي لِنَعْبُدَ.
وَتَقَدَّمَ مَعْنَى: وَنَذَرَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٧٠] .
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا لِتَفْرِيعِ طَلَبِ تَحْقِيقِ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، وَتَحَدِّيًا لِهُودٍ، وَإِشْعَارًا لَهُ بِأَنَّهُمْ مُوقِنُونَ بِأَنْ لَا صِدْقَ لِلْوَعِيدِ الَّذِي يَتَوَعَّدُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute