للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَا يَخْشَوْنَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ. فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِمْ: فَأْتِنا لِلتَّعْجِيزِ.

وَالْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَتُهُ أَنْ يَجِيءَ مُصَاحِبًا إِيَّاهُ، وَيُسْتَعْمَلَ مَجَازًا فِي الْإِحْضَارِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا هُنَا. وَالْمَعْنَى فَعَجِّلْ لَنَا مَا تَعِدُنَا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، أَوْ فَحَقِّقْ لَنَا مَا زَعَمْتَ مِنْ وَعِيدِنَا. وَنَظِيرُهُ الْفِعْلُ الْمُشْتَقُّ مِنَ الْمَجِيءِ مِثْلُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [هود: ٥٣] الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ [الْبَقَرَة: ٧١] .

وَأَسْنَدُوا الْفِعْلَ إِلَى ضَمِيرِهِ تَعْرِيضًا بِأَنَّ مَا تَوَعَّدَهُمْ بِهِ هُوَ شَيْءٌ مِنْ مُخْتَلَقَاتِهِ وَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مِنْهُمُ الْإِقْلَاعَ عَنْ عِبَادَةِ آلِهَتِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا تَتَعَلَّقُ إِرَادَتُهُ بِطَلَبِ الضَّلَالِ فِي زَعْمِهِمْ.

وَالْوَعْدُ الَّذِي أَرَادُوهُ وَعْدٌ بِالشَّرِّ، وَهُوَ الْوَعِيدُ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ تَوَعَّدَهُمْ بِسُوءٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعِيدًا ضِمْنِيًّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: أَفَلا تَتَّقُونَ [الْأَعْرَاف: ٦٥] لِأَنَّ إِنْكَارَهُ عَلَيْهِمِ

انْتِفَاءَ الِاتِّقَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ثَمَّةَ مَا يُحَذَّرُ مِنْهُ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُعَيِّنُوا وَعِيدًا فِي كَلَامِهِمْ بَلْ أَبْهَمُوهُ بِقَوْلِهِمْ بِما تَعِدُنا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَعِيدُ تَعْرِيضًا مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الْأَعْرَاف: ٦٩] الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ اللَّهَ اسْتَأْصَلَ قَوْمَ نُوحٍ وَأَخْلَفَهُمْ بِعَادٍ، فَيُوشِكُ أَنْ يَسْتَأْصِلَ عَادًا وَيُخْلِفَهُمْ بِغَيْرِهِمْ.

وَعَقَّبُوا كَلَامَهُمْ بِالشَّرْطِ فَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ اسْتِقْصَاءً لِمَقْدِرَتِهِ قَصْدًا مِنْهُمْ لِإِظْهَارِ عَجْزِهِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْعَذَابِ فَلَا يَسَعُهُ إِلَّا الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ تَقْدِيرُهُ: أَتَيْتَ بِهِ وَإِلَّا فَلَسْتَ بِصَادِقٍ.

فَأَجَابَهُمْ بِأَنْ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَضِبَ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُمْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ رِجْسٌ مِنَ اللَّهِ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ: وَقَعَ مَعْنَاهُ حَقَّ وَثَبَتَ، مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ: هَذَا وَاقِعٌ، وَقَوْلِهِمْ لِلْأَمْرِ الْمَكْذُوبِ: هَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ، فَالْمَعْنَى حَقَّ وَقُدِّرَ