للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ ... كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهُوَ نَائِمُ

تَمُرُّ بِكَ الْأَبْطَالُ كَلْمَى حَزِينَةً ... وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ

أَنْكَرَ عَلَيْهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ تَطْبِيقَ عَجُزَيِ الْبَيْتَيْنِ عَلَى صَدَرَيْهِمَا، وَقَالَ لَهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَجْعَلَ الْعَجز الثَّانِي عَجزا للْأولِ وَالْعَكْسَ وَأَنْتَ فِي هَذَا مِثْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ فِي قَوْلِهِ:

كَأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَوَادًا لِلَذَّةٍ الْبَيْتَيْنِ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ بِالشِّعْرِ: أَنْ يَكُونَ عَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي وَعَجُزُ الْبَيْتِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ لِيَكُونَ رُكُوبُ الْخَيْلِ مَعَ الْأَمْرِ لِلْخَيْلِ بِالْكَرِّ، وَيَكُونُ سِبَاءُ الْخَمْرِ مَعَ تَبَطُّنِ الْكَاعِبِ، فَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: «إِنْ صَحَّ أَنَّ الَّذِي اسْتَدْرَكَ عَلَى امْرِئِ الْقَيْسِ هَذَا أَعْلَمُ مِنْهُ بِالشِّعْرِ فَقَدْ أَخْطَأَ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَأَخْطَأْتُ أَنَا، وَمَوْلَانَا الْأَمِيرُ يَعْلَمُ أَنَّ الثَّوْبَ لَا يَعْرِفُهُ الْبَزَّازُ مَعْرِفَةَ الْحَائِكِ، لِأَنَّ الْبَزَّازَ لَا يَعْرِفُ إِلَّا جُمْلَتَهُ، وَالْحَائِكَ يَعْرِفُ جُمْلَتَهُ وَتَفْصِيلَهُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْغَزَلِيَّةِ إِلَى الثَّوْبِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَرَنَ امْرُؤُ الْقَيْسِ لَذَّةَ النِّسَاءِ بِلَذَّةِ الرُّكُوبِ لِلصَّيْدِ وَقَرَنَ السَّمَاحَةَ فِي شِرَاءِ الْخَمْرِ لِلْأَضْيَافِ بِالشَّجَاعَةِ فِي مُنَازَلَةِ الْأَعْدَاءِ، وَأَنَّا لَمَّا ذَكَرْتُ الْمَوْتَ فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ أَتْبَعْتُهُ بِذِكْرِ الرَّدَى لِتَجَانُسِهِ، وَلَمَّا كَانَ وَجْهُ الْمُنْهَزِمِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ عَبُوسًا وَعَيْنُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ بَاكِيَةً قُلْتُ: «وَوَجْهُكَ وَضَّاحٌ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ» لِأَجْمَعَ بَيْنَ الْأَضْدَادِ فِي الْمَعْنَى.

وَهُوَ يَعْنِي بِهَذَا أَنَّ وُجُوهَ الْمُنَاسَبَةِ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ تَخْتَلِفُ وَتَتَعَدَّدُ، وَأَنَّ بَعْضًا يَكُونُ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ.

وَذَكَّرَهُمْ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَقِبَ ذَلِكَ بِتَكْثِيرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَلِيلًا، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ، إِذْ صَارُوا أُمَّةً بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَعْشَرًا.

وَمَعْنَى تَكْثِيرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ تَيْسِيرُهُ أَسْبَابَ الْكَثْرَةِ لَهُمْ بِأَنْ قَوَّى فِيهِمْ قُوَّةَ التَّنَاسُلِ،

وَحَفِظَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوَتَانِ، وَيَسَّرَ لِنَسْلِهِمُ الْيِفَاعَةَ حَتَّى كَثُرَتْ مَوَالِيدُهُمْ وَقَلَّتْ وَفِيَّاتُهُمْ، فَصَارُوا عَدَدًا كَثِيرًا فِي زَمَنٍ لَا يُعْهَدُ فِي مِثْلِهِ مَصِيرُ أُمَّةٍ إِلَى عَدَدِهِمْ، فَيُعَدُّ مَنْعُهُمُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِي دِينِ اللَّهِ سَعْيًا فِي تَقْلِيلِ حِزْبِ اللَّهِ، وَذَلِكَ كُفْرَانٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ كَثَّرَهُمْ، وَلِيُقَابِلُوا اعْتِبَارَ