هَذِهِ النِّعْمَةِ بِاعْتِبَارِ نِقْمَتِهِ تَعَالَى مِنَ الَّذِينَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ، إِذِ اسْتَأْصَلَهُمْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا كَثِيرًا فَذَلِكَ مِنْ تَمَايُزِ الْأَشْيَاءِ بِأَضْدَادِهَا.
فَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ جَمْعٌ بَيْنَ طَرِيقَيِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.
وَقَلِيلٌ وَصْفٌ يَلْزَمُ الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ، مِثْلُ كَثِيرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَكَأَيِّنْ مِنْ نبيء قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٤٦] .
وَالْمُرَادُ بِ الْمُفْسِدِينَ الَّذِينَ أَفْسَدُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَقِيدَةِ الشِّرْكِ وَبِأَعْمَالِ الضَّلَالِ، وأفسدوا الْمُجْتَمع بمخالفة الشَّرَائِعِ، وَأَفْسَدُوا النَّاسَ بِإِمْدَادِهِمْ بِالضَّلَالِ وَصَدِّهِمْ عَنِ الْهُدَى، وَلِذَلِكَ لم يُؤْت: ل الْمُفْسِدِينَ بِمُتَعَلِّقٍ لِأَنَّهُ اعْتُبِرَ صِفَةً، وَقُطِعَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْفِعْلِ، أَيِ الَّذِينَ عُرِفُوا بِالْإِفْسَادِ. وَهَذَا الْخِطَابُ مَقْصُودٌ مِنْهُ الْكَافِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ ابْتِدَاءً، وَفِيهِ تَذْكِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُهُمْ وَبِالِاعْتِبَارِ بِمَنْ مَضَوْا فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُمْ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَعْرِيضٌ بِالْوَعْدِ لِلْمُسْلِمِينَ وَبِالتَّسْلِيَةِ لَهُمْ عَلَى مَا يُلَاقُونَهُ مِنْ مُفْسِدِي أَهْلِ الشِّرْكِ لِانْطِبَاقِ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى حَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَ (إِذْ) فِي قَوْلِهِ: إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا اسْمُ زَمَانٍ، غَيْرُ ظَرْفٍ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الْمَفْعُولِ بِهِ أَيِ اذْكُرُوا زَمَانَ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَأَعْقَبَهُ بِأَنْ كَثَّرَكُمْ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ.
والطائفة الْجَمَاعَةُ ذَاتُ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَتَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٠٢] .
وَالشَّرْطُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ أَفَادَ تَعْلِيقَ حُصُولِ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَعْنِي مَا تَضَمَّنَهُ الْوَعِيدُ لِلْكَافِرِينَ بِهِ وَالْوَعْدُ لِلْمُؤْمِنِينَ، عَلَى تَحَقُّقِ حُصُولِ مَضْمُونِ فِعْلِ الشَّرْطِ، لَا عَلَى تَرَقُّبِ حُصُولِ مَضْمُونِهِ، لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute