للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُفَسِّرِينَ لِهَذِهِ الْآيَةِ. وَدَلِيلُ الْعِصْمَةِ مِنْ هَذَا هُوَ كَمَالُهُمْ، وَالدَّلِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْكَمَالِ قَبْلَ الْوَحْيِ يُعَدُّ نَقْصًا، وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِ شُعَيْبٍ إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ [الْأَعْرَاف: ٨٩] فَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَجْرَاهُ عَلَى الْمُشَاكَلَةِ وَالتَّغْلِيبِ. وَكِلَاهُمَا مُصَحِّحٌ لِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْعَوْدِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ خَاصَّةً، وَقَدْ

تَوَلَّى شُعَيْبٌ الْجَوَابَ عَمَّنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِيَقِينِهِ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ.

وَالْمِلَّةُ: الدِّينُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣٠] .

وَفَصْلُ جُمْلَةِ: قالَ الْمَلَأُ لِوُقُوعِهَا فِي الْمُحَاوَرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَة الْبَقَرَة [٣٠] .

أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩) .

فَصْلُ جُمْلَةِ قالَ.. لِوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَجُّبِ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِهِمْ: أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا الْمُؤْذِنِ مَا فِيهِ مِنَ الْمُؤَكِّدَاتِ بِأَنَّهُمْ يُكْرِهُونَهُمْ عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ، وَذَلِكَ التَّعَجُّبُ تَمْهِيدٌ لِبَيَانِ تَصْمِيمِهِ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْإِيمَانِ، لِيَعْلَمَ قَوْمُهُ أَنَّهُ أَحَاطَ خَبَرًا بِمَا أَرَادُوا مِنْ تَخْيِيرِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ: الْإِخْرَاجُ أَوِ الرُّجُوعُ إِلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ، شَأْنَ الْخَصْمِ اللَّبِيبِ الَّذِي يَأْتِي فِي جَوَابِهِ بِمَا لَا يُغَادِرُ شَيْئًا مِمَّا أَرَادَهُ خَصْمُهُ فِي حِوَارِهِ، وَفِي كَلَامِهِ تَعْرِيضٌ بِحَمَاقَةِ خُصُومِهِ إِذْ يُحَاوِلُونَ حَمْلَهُ عَلَى مِلَّتِهِمْ بِالْإِكْرَاهِ، مَعَ أَنَّ شَأْنَ المحقّ أَن يُشْرك لِلْحَقِّ سُلْطَانَهُ عَلَى النُّفُوسِ وَلَا يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَا الضَّغْطِ وَالْإِكْرَاهِ، وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [الْبَقَرَة: ٢٥٦] . فَإِنَّ الْتِزَامَ الدِّينِ عَنْ إِكْرَاهٍ لَا يَأْتِي بِالْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنَ التَّدَيُّنِ وَهُوَ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَتَكْثِيرُ جُنْدِ الْحَقِّ وَالصَّلَاحُ الْمَطْلُوبُ.