وَالْكَارِهُ مُشْتَقٌّ مِنْ كَرِهَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْكَرْهُ- بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- وَهُوَ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ، فَكَارِهُ الشَّيْءِ لَا يُدَانِيهِ إِلَّا مَغْصُوبًا وَيُقَالُ لِلْغَصْبِ إِكْرَاهٌ، أَيْ مُلْجَئِينَ وَمَغْصُوبِينَ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢١٦] .
وَ (لَوْ) وَصْلِيَّةٌ تُفِيدُ أَنَّ شَرْطَهَا هُوَ أَقْصَى الْأَحْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ مَعَهَا الْفِعْلُ الَّذِي فِي جَوَابِهَا، فَيَكُونُ مَا بَعْدَهَا أَحْرَى بِالتَّعَجُّبِ. فَالتَّقْدِيرُ: أَتُعِيدُونَنَا إِلَى مِلَّتِكُمْ وَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ (لَوْ) هَذِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩١] . وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَاوِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهَا وَأَنَّهَا وَاوُ الْحَالِ.
وَاسْتَأْنَفَ مُرْتَقِيًا فِي الْجَوَابِ، فَبَيَّنَ اسْتِحَالَةَ عَوْدِهِمْ إِلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ بِأَنَّ الْعَوْدَ إِلَيْهَا يَسْتَلْزِمُ كَذِبَهُ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إِرْسَالِهِ إِلَيْهِمْ بِالتَّوْحِيدِ فَذَلِكَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ عَنْ عَمْدٍ، لِأَنَّ الَّذِي يُرْسِلُهُ اللَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْكُفْرِ، وَيَسْتَلْزِمُ كَذِبَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ عَلَى اللَّهِ حَيْثُ أَيْقَنُوا بِأَنَّ شُعَيْبًا مَبْعُوثٌ مِنَ اللَّهِ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: افْتَرَيْنا وعُدْنا ونَجَّانَا ونَعُودَ ورَبُّنا وتَوَكَّلْنا.
وَالرَّبْطُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابه ربط التّبيّن وَالِانْكِشَافِ. لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ حُصُولِ الِافْتِرَاءِ بِالْعَوْدِ فِي مِلَّةِ قَوْمِهِ، فَإِنَّ الِافْتِرَاءَ الْمَفْرُوضَ بِهَذَا الْمَعْنَى سَابِقٌ مُتَحَقِّقٌ وَإِنَّمَا يَكْشِفُهُ رُجُوعُهُمْ إِلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ، أَيْ إِنْ يَقَعْ عَوْدُنَا فِي مِلَّتِكُمْ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّنَا افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، فَالْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: افْتَرَيْنا مَاضٍ حَقِيقِيٌّ كَمَا يَقْتَضِيهِ دُخُولُ قَدِ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَتَيْنِ لَا تَقْلِبُهُ (إِنْ) لِلِاسْتِقْبَالِ، أَمَّا الْمَاضِي الْوَاقِعُ شَرْطًا لِ (إِنْ) فِي قَوْلِهِ: إِنْ عُدْنا فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ (إِنْ) تَقْلِبُ الْمَاضِي لِلْمُسْتَقْبَلِ عَكْسَ (لَمْ) .
وَقَوْلُهُ: بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، مَعْنَاهُ: بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ لِلدِّينِ الْحَقِّ الَّذِي اتَّبَعْنَاهُ بِالْوَحْيِ فَنَجَّانَا مِنَ الْكُفْرِ، فَذَكَرَ الْإِنْجَاءَ لدلالته على الإهداء وَالْإِعْلَانِ بِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْكُفْرِ نَجَاةٌ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ إِيجَازُ حَذْفٍ أَوْ كِنَايَةٌ.
وَهَذِهِ الْبَعْدِيَّةُ لَيْسَتْ قَيْدًا لِ افْتَرَيْنا وَلَا هِيَ مُوجب كَون الْعود فِي مِلَّتِهِمْ دَالًّا عَلَى كَذِبِهِ فِي الرِّسَالَةِ، بَلْ هَذِهِ الْبَعْدِيَّةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِ عُدْنا يُقْصَدُ مِنْهَا تَفْظِيعُ هَذَا الْعَوْدِ وَتَأْيِيسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute