للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَ بَطَلَ بِمَعْنى: الْعَدَم. وَفَسَّرَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ بِحِبَالِ السَّحَرَةِ وَعِصِيِّهِمْ فَفِي تَفْسِيرِهِ نُبُوٌّ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ، وَعَنِ الْمَقَامِ.

وَزِيَادَةُ قَوْلِهِ: وَبَطَلَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَوَقَعَ الْحَقُّ تَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ فَوَقَعَ الْحَقُّ لِتَسْجِيلِ ذَمِّ عَمَلِهِمْ، وَنِدَاءٌ بِخَيْبَتِهِمْ، تَأْنِيسًا لِلْمُسْلِمِينَ وَتَهْدِيدًا لِلْمُشْرِكِينَ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا.

وَمَا كانُوا يَعْمَلُونَ هُوَ السِّحْرُ، أَيْ: بَطَلَتْ تَخَيُّلَاتُ النَّاسِ أَنَّ عِصِيَّ السَّحَرَةِ وَحِبَالَهُمْ تَسْعَى كَالْحَيَّاتِ، وَلَمْ يُعَبَّرْ عَنْهُ بِالسِّحْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ كَانَ سِحْرًا عَجِيبًا تَكَلَّفُوا لَهُ وَأَتَوْا بِمُنْتَهَى مَا يَعْرِفُونَهُ.

وَقَدْ عُطِفَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ فَغُلِبُوا بِالْفَاءِ لِحُصُولِ الْمَغْلُوبِيَّةِ إِثْرَ تَلَقُّفِ الْعَصَا لِإِفْكِهِمْ.

وهُنالِكَ اسْمُ إِشَارَةِ الْمَكَانِ أَيْ غُلِبُوا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَأَفَادَ بَدَاهَةَ مَغْلُوبِيَّتِهِمْ وَظُهُورَهَا لِكُلِّ حَاضِرٍ.

وَالِانْقِلَابُ: مُطَاوِعُ قَلَبَ وَالْقَلْبُ تَغْيِيرُ الْحَالِ وَتَبَدُّلُهُ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ تَغْيِيرًا مِنَ الْحَالِ الْمُعْتَادَةِ إِلَى حَالٍ غَرِيبَةٍ.

وَيُطْلَقُ الِانْقِلَابُ شَائِعًا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ وَلِأَن الرَّاجِعَ قَدْ عَكَسَ حَالَ خُرُوجِهِ.

وَانْقَلَبَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِيءُ بِمَعْنَى (صَارَ) وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَيْ: صَارُوا صَاغِرِينَ.

وَاخْتِيَارُ لَفْظِ انْقَلَبُوا دُونَ (رَجَعُوا) أَوْ (صَارُوا) لِمُنَاسَبَتِهِ لِلَّفْظِ غُلِبُوا فِي الصِّيغَةِ، وَلِمَا يُشْعِرُ بِهِ أَصْلُ اشْتِقَاقِهِ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى حَالٍ أَدْوَنَ، فَكَانَ لَفْظُ (انْقَلَبُوا) أَدْخَلَ فِي الْفَصَاحَةِ.

وَالصَّغَارُ: الْمَذَلَّةُ، وَتِلْكَ الْمَذَلَّةُ هِيَ مَذَلَّةُ ظُهُورِ عَجْزِهِمْ، وَمَذَلَّةُ خَيْبَةِ رَجَائِهِمْ مَا أَمَّلُوهُ مِنَ الْأَجْرِ وَالْقُرْبِ عِنْد فِرْعَوْن.