للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ (لَوْ) مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ: مِنَ امْتِنَاعِ جَوَابِهِ لِامْتِنَاعِ شَرْطِهِ، فَيُتَّجَهُ أَنْ يُتَسَاءَلَ عَنْ مُوجِبِ حَذْفِ اللَّامِ مِنْ جَوَابِ (لَوْ) وَلَمْ يَقُلْ: لَأَهْلَكْتَهُمْ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي جَوَابِهَا الْمَاضِي الْمُثْبَتِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِاللَّامِ فَحَذْفُ اللَّامِ هُنَا لِنُكْتَةِ أَنَّ التَّلَازُمَ بَيْنَ شَرْطِ لَوْ وَجَوَابِهَا هُنَا قَوِيٌ لِظُهُورِ أَنَّ الْإِهْلَاكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ وَحْدَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً سُورَةُ الْوَاقِعَةِ [٧٠] وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَيَكُونُ الْمَعْنَى اعْتِرَافًا بِمِنَّةِ الْعَفْوِ عَنْهُمْ فِيمَا سَبَقَ، وَتَمْهِيدًا لِلتَّعْرِيضِ بِطَلَبِ الْعَفْوِ عَنْهُمُ الْآنَ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ أَيِ إِنَّكَ لَمْ تَشَأْ إِهْلَاكَهُمْ حِينَ تَلَبَّسُوا بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ فَلَا

تُهْلِكْهُمُ الْآنَ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَتُهْلِكُنا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّفَجُّعِ أَيْ: أَخْشَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَوْمَ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَيَخْشَى أَنْ يَشْمَلَ عَذَابُ اللَّهِ مَنْ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي سَبَبِ الْعَذَابِ، كَمَا قَالَ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الْأَنْفَال: ٢٥]

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ- قَالَ- نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ، «ثُمَّ يُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»

وَقَدْ خَشِيَ مُوسَى سُوءَ الظِّنَّةِ لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ وَلِلْبُرَاءِ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يَظُنَّهُمُ الْأُمَمُ الَّتِي يَبْلُغُهَا خَبَرُهُمْ أَنَّهُمْ مُجْرِمُونَ.

وَإِنَّمَا جُمِعُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: أَتُهْلِكُنا لِأَنَّ هَذَا الْإِهْلَاكَ هُوَ الْإِهْلَاكُ الْمُتَوَقَّعُ مِنَ اسْتِمْرَارِ الرَّجْفَةِ، وَتَوَقُّعِهِ وَاحِدٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْإِهْلَاكِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَسَبَبُهُ مُخْتَلِفٌ فَنَاسَبَ تَوْزِيعَ مَفْعُولِهِ.

وَجُمْلَةُ: أَتُهْلِكُنا مُسْتَأْنَفَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ تَقْطِيعِ كَلَامِ الْحَزِينِ الْخَائِفِ السَّائِلِ. وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ وَجُمْلَةُ أَنْتَ وَلِيُّنا.

وَضَمِيرُ إِنْ هِيَ رَاجِعٌ إِلَى مَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ لِأَن مَا صدق مَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ هُوَ الْفِتْنَةُ، وَالْمَعْنَى: لَيْسَتِ الْفِتْنَةُ الْحَاصِلَةُ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ إِلَّا فِتْنَةً مِنْكَ، أَيْ مِنْ تَقْدِيرِكَ وَخَلْقِ أَسْبَابِ حُدُوثِهَا، مِثْلَ سَخَافَةِ عُقُولِ الْقَوْمِ، وَإِعْجَابِهِمْ بأصنام الكنعانيين، وعيبة مُوسَى، وَلنْ هَارُونَ، وَخَشْيَتِهِ مِنَ الْقَوْمِ، وَخَشْيَةِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ مِنْ عَامَّتِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَأَيْقَنَ مُوسَى بِهِ إِيقَانًا إِجْمَالِيًّا.

وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ الْآيَةَ: مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ التَّمْجِيدِ بِسِعَةِ