للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَالتَّعْرِيضِ بِطَلَبِ اسْتِبْقَائِهِمْ وَهِدَايَتِهِمْ، وَلَيْسَ مُسْتَعْمَلًا فِي الِاعْتِذَارِ لِقَوْمِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فِتْنَتُكَ فَالْإِضْلَالُ بِهَا حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهَا.

ثُمَّ عَرَّضَ بِطَلَبِ الْهِدَايَةِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ بِها مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ تُضِلُّ وَحْدَهُ وَلَا يَتَنَازَعُهُ مَعَهُ فِعْلُ تَهْدِي لِأَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَكُونُ سَبَبَ هِدَايَةٍ بِقَرِينَةِ تَسْمِيَتِهَا فِتْنَةً، فَمَنْ قَدَّرَ فِي التَّفْسِيرِ: وَتَهْدِي بِهَا أَوْ نَحْوَهُ، فَقَدْ غَفَلَ.

وَالْبَاءُ: إِمَّا لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ تُضِلُّ مَنْ تَشَاءُ مُلَابِسًا لَهَا، وَإِمَّا لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ تُضِلُّ بِسَبَبِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ، فَهِيَ مِنْ جِهَةٍ فِتْنَةٌ، وَمِنْ جِهَةٍ سَبَبُ ضَلَالٍ.

وَالْفِتْنَةُ مَا يَقَعُ بِهِ اضْطِرَابُ الْأَحْوالِ، وَمَرَجُهَا، وَتَشَتُّتُ الْبَالِ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٠٢] . وَقَوْلِهِ: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٧١] وَقَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٢٣] .

وَالْقَصْدُ مِنْ جُمْلَةِ: أَنْتَ وَلِيُّنا الِاعْتِرَافُ بِالِانْقِطَاعِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، تَمْهِيدًا لِمَطْلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْوَلِيِّ أَنْ يَرْحَمَ مَوْلَاهُ وَيَنْصُرَهُ.

وَالْوَلِيُّ: الَّذِي لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى أَحَدٍ، وَالْوِلَايَةُ حَلْفٌ أَوْ عِتْقٌ يَقْتَضِي النُّصْرَةَ وَالْإِعَانَةَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ فَكِلَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ يُقَالُ لَهُ مَوْلًى، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَقْوَى قِيلَ لِلْقَوِيِّ (وَلِيٌّ) وَلِلضَّعِيفِ (مَوْلًى) وَإِذْ قَدْ كَانَتِ الْوِلَايَةُ غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلتَّعَدُّدِ، لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَتَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، كَانَ قَوْلُهُ: أَنْتَ وَلِيُّنا مُقْتَضِيًا عَدَمَ الِانْتِصَارِ بِغَيْرِ اللَّهِ. وَفِي صَرِيحِهِ صِيغَةُ قَصْرٍ.

وَالتَّفْرِيعُ عَنِ الْوِلَايَةِ فِي قَوْلِهِ: فَاغْفِرْ لَنا تَفْرِيعُ كَلَامٍ عَلَى كَلَامٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْوَلِيَّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْغُفْرَانُ.

وَقَدَّمَ الْمَغْفِرَةَ عَلَى الرَّحْمَةِ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ سَبَبٌ لِرَحَمَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ تَنْهِيةٌ لِغَضَبِ اللَّهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الذَّنْبِ، فَإِذَا انْتَهَى الْغَضَبُ تَسَنَّى أَنْ يَخْلُفَهُ الرِّضَا. وَالرِّضَا يَقْتَضِي الْإِحْسَانَ.