للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَنَةً بِسَنَةٍ عَشِّرْ حِنْطَتَكَ وَخَمْرَكَ وَزَيْتَكَ وَإِبْكَارَ بَقَرِكَ وَغَنَمِكَ، وَفِي آخِرِ ثَلَاثِ سِنِينَ تُخْرِجُ كُلَّ عُشْرِ مَحْصُولِكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَتَضَعُهُ فِي أَبْوَابِكَ فَيَأْتِي اللَّاوِي وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالْأَرْمَلَةُ الَّذِينَ عَلَى أَبْوَابِكَ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ» إِلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامًا كَثِيرَةً فِي الْإِصْحَاحَاتِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ.

ثُمَّ فِي الْإِصْحَاحِ الثَّامِنَ عَشَرَ قَوْلُهُ: «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ نَبِيًّا وَمن وسط أخواتك مِثْلِي لَهُ تَسْمَعُونَ حَسَبَ كُلِّ مَا طَلَبْتَ مِنَ الرَّبِّ فِي حُورِيبَ (أَيْ جَبَلِ الطُّورِ حِينَ الْمُنَاجَاةِ) يَوْمَ الِاجْتِمَاعِ قَالَ لِيَ الرَّبُّ أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ وَأَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ» فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا النَّبِيءَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِقَوْلِهِ: «مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ» فَإِنَّ الْخِطَابَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَا يَكُونُونَ إِخْوَةً لِأَنْفُسِهِمْ. وَإِخْوَتُهُمْ هُمْ أَبْنَاءُ أَخِي أَبِيهِمْ: إِسْمَاعِيلَ أَخِي إِسْحَاقَ، وَهُمُ الْعَرَبُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ نَبِيئًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ (صَمْوِيلَ) كَمَا يُؤَوِّلُهُ الْيَهُودُ لَقَالَ: مِنْ بَيْنِكُمْ أَوْ مِنْ وَسَطِكُمْ، وَعُلِمَ أَنَّ النَّبِيءَ رَسُولٌ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ مِنْ قَوْلِهِ: «مِثْلَكَ» فَإِنَّ مُوسَى كَانَ نَبِيًّا رَسُولًا، فَقَدَ جَمَعَ الْقُرْآنُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ إِلَخْ.

وَمِنْ نُكَتِ الْقُرْآنِ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ وَصْفَيِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْيَهُودَ بَدَّلُوا وَصْفَ الرَّسُولِ، وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِالنَّبِيءِ، لِيَصْدُقَ على أَنْبيَاء ليصدق عَلَى أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَغَفَلُوا عَنْ مُفَادِ قَوْلِهِ مِثْلَكَ، وَحَذَفُوا وَصْفَ الْأُمِّيِّ، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سَبَبَ إِسْلَامِ الْحَبْرِ الْعَظِيمِ الْأَنْدَلُسِيِّ السَّمَوْأَلِ بْنِ يَحْيَى الْيَهُودِيِّ، كَمَا حَكَاهُ عَنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ «غَايَةَ الْمَقْصُودِ فِي الرَّدِّ عَلَى النَّصَارَى وَالْيَهُودِ» .

فَهَذِهِ الرَّحْمَةُ الْعَظِيمَةُ تَخْتَصُّ بِالَّذِينَ آمنُوا بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَتَشْمَلُ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ بِالْإِيمَان بِمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا عَالِمِينَ بِبَعْثَتِهِ يَقِينًا فَهُمْ آمَنُوا بِهِ، وَتَنَزَّلُوا مَنْزِلَةَ مَنِ اتَّبَعَ مَا جَاءَ بِهِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ، وَتَشْمَلُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ غَيْرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّهُمْ سَارُوا مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْيَهُودِ فِي اتَبَاعِ الرَّسُولِ النَّبِيءِ الْأُمِّيِّ.