الْمَأْكُولَاتِ وَصِفَاتِهَا، وَمَا جُهِلَتْ بَعْضُ صِفَاتِهِ وَحَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ.
وَوَضْعُ الْإِصْرِ إِبْطَالُ تَشْرِيعِهِ، أَيْ بِنَسْخِ مَا كَانَ فِيهِ شِدَّةٌ مِنَ الشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ السَّابِقَةِ، وَحَقِيقَةُ الْوَضْعِ الْحَطُّ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ، وَهُوَ هُنَا مَجَازٌ فِي إِبْطَالِ التَّكْلِيفِ بِالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ.
وَحَقُّهُ التَّعْدِيَةُ إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِحَرْفِ (فِي) الظَّرْفِيَّةِ، فَإِذَا عُدِّيَ إِلَيْهِ بِ (عَنْ) دَلَّ
عَلَى نَقْلِ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ مِنْ مَدْخُولِ (عَنْ) وَإِذَا عُدِّيَ إِلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِ (عَلَى) كَانَ دَالًّا عَلَى حَطِّ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ فِي مَدْخُولِ (عَلَى) حَطًّا مُتَمَكِّنًا، فَاسْتُعِيرَ يَضَعُ عَنْهُمْ هُنَا إِلَى إِزَالَةِ التَّكْلِيفَاتِ الَّتِي هِيَ كَالْإِصْرِ وَالْأَغْلَالِ فَيَشْمَلُ الْوَضْعُ مَعْنَى النَّسْخِ وَغَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي.
وَ «الْإِصْرُ» ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي «الْكَشَّاف» و «الأساس» إِنَّه حَقِيقَة فِي الثِّقَلِ، (بِكَسْرِ الثَّاءِ) الْحِسِّيِّ بِحَيْثُ يَصْعُبُ مَعَهُ التَّحَرُّكُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ دَوَاوِينِ اللُّغَةِ، وَهَذَا الْقَيْدُ مِنْ تَحْقِيقَاتِهِ، وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا التَّكَالِيفُ الشَّاقَّةُ وَالْحَرَجُ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يَكُنْ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ تَمْثِيلِيَّةً بِتَشْبِيهِ حَالِ الْمُزَالِ عَنْهُ مَا يُحْرِجُهُ مِنَ التَّكَالِيفِ بِحَالِ مَنْ كَانَ مُحَمَّلًا بِثِقَلٍ فَأُزِيلَ عَنْ ظَهْرِهِ ثِقَلُهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ [الْأَنْعَام: ٣١] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ «الْإِصْرُ» اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً وَيَضَعُ تَخْيِيلًا، وَهُوَ أَيْضًا اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ لِلْإِزَالَةِ.
وَقَدْ كَانَتْ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ شَاقَّةٍ مِثْلِ الْعُقُوبَةِ بِالْقَتْلِ عَلَى مَعَاصٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا الْعَمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَمِثْلُ تَحْرِيمِ مَأْكُولَاتٍ كَثِيرَةٍ طَيِّبَةٍ وَتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ فِي أُمُورٍ هَيِّنَةٍ، كَالْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَشَدُّ مَا فِي شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ مِنَ الْإِصْرِ أَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا التَّوْبَةُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا اسْتِتَابَةُ الْمُجْرِمِ، وَالْإِصْرُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٨٦] وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحْدَهُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ، (آصَارَهُمْ) بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ وَالْإِفْرَادُ فِي الْأَجْنَاسِ سَوَاءٌ.
والْأَغْلالَ جَمْعُ غُلٍّ- بِضَمِّ الْغَيْنِ- وَهُوَ إِطَارٌ مِنْ حَدِيدٍ يُجْعَلُ فِي رَقَبَةِ الْأَسِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute