بِالْجَهْلِ بِهِ، وَكَانَ الْإِشْرَاكُ إِمَّا عَنْ عَمْدٍ وَإِمَّا عَنْ تَقْصِيرٍ، وَكَلَاهُمَا لَا يَنْهَضُ عُذْرًا، وَكُلُّ هَذَا إِنَّمَا يَصْلُحُ لِخِطَابِ الْمُشْرِكِينَ دُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَمَعْنَى: وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ لِأَنَّنَا ذُرِّيَّةٌ لَهُمْ، وَشَأْنُ الذُّرِّيَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِالْآبَاءِ وَإِقَامَةُ عَوَائِدِهِمْ فَوَقَعَ إِيجَازٌ فِي الْكَلَامِ وَأُقِيمَ التَّعْلِيلُ مَقَامَ الْمُعَلَّلِ.
ومِنْ بَعْدِهِمْ نَعْتٌ لِذُرِّيَّةٍ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ ذُرِّيَّةٌ مِنَ الْخَلْفِيَّةِ وَالْقِيَامِ فِي مَقَامِهِمْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَتُهْلِكُنا إِنْكَارِيٌّ، وَالْإِهْلَاكُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْعَذَابِ، وَالْمُبْطِلُونَ الْآخِذُونَ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْإِشْرَاكُ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْإِلَهِ الْوَاحِدِ مُسْتَقِرٌّ فِي فِطْرَةِ الْعَقْلِ، لَوْ خُلِّيَ وَنَفْسَهُ، وَتَجَرَّدَ مِنَ الشُّبُهَاتِ النَّاشِئَةِ فِيهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي النَّظَرِ، أَوِ الْمُلْقَاةِ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِيهِمُ الضَّلَالَةُ، بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ وَالْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ الْإِيمَانَ بِالْإِلَهِ الْوَاحِدِ وَاجِبٌ بِالْعَقْلِ، وَنُسِبَ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى الْمَاوَرْدِيِّ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَعَلَيْهِ انْبَتَّتْ مُؤَاخَذَةُ أَهْلِ الْفَتْرَةِ عَلَى الْإِشْرَاكِ، وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ:
مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَاجِبَةٌ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الْإِسْرَاء: ١٥] وَلَعَلَّهُ أَرْجَعَ مُؤَاخَذَةَ أَهْلِ الْفَتْرَةِ عَلَى الشِّرْكِ إِلَى التَّوَاتُرِ بِمَجِيءِ الرُّسُلِ بِالتَّوْحِيدِ.
وَجُمْلَةُ: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَتُسَمَّى وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ أَيْ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ أَيْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٥٥] .
وَتَفْصِيلُهَا بَيَانُهَا وَتَجْرِيدُهَا مِنَ الِالْتِبَاسِ.
وَجُمْلَةُ: وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ فَهِيَ فِي
مَوْقِعِ الِاعْتِرَاضِ، وَهَذَا إِنْشَاءُ تَرَجِّي رُجُوعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ مَعْنَى الرَّجَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صُدُورِهِ مِنْ جَانِبِ الله تَعَالَى عَنهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ