وَالرُّجُوعُ مُسْتَعَارٌ لِلْإِقْلَاعِ عَنِ الشِّرْكِ، شُبِّهَ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهَا بِتَرْكِ مَنْ حَلَّ فِي غَيْرِ مَقَرِّهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي هُوَ بِهِ لِيَرْجِعَ إِلَى مَقَرِّهِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ يَقْتَضِي تَشْبِيهَ حَالِ الْإِشْرَاكِ بِمَوْضِعِ الْغُرْبَةِ، لِأَنَّ الشِّرْكَ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ فَالتَّلَبُّسُ بِهِ خُرُوجٌ عَنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَخُرُوجِ الْمُسَافِرِ عَنْ مَوْطِنِهِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا تَشْبِيهَ حَالِ التَّوْحِيدِ بِمَحَلِّ الْمَرْءِ وَحَيِّهِ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ إِطْلَاقُ الرُّجُوعِ عَلَى إِقْلَاعِ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الشِّرْكِ كَقَوْلِهِ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف: ٢٦- ٢٨] أَيْ يَرْجِعُونَ عَنِ الشِّرْكِ، وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْعَرَبِ، لِأَنَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ، وَبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ [الزخرف: ٢٩] ، فَإِنِّي اسْتَقْرَيْتُ مِنَ اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَؤُلَاءِ إِلَى الْعَرَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute