للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَصَصَ الْأُمَمِ مَعَ رُسُلِهِمْ، عَلَى أَنَّ تَوْجِيهَ ضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ إِلَيْهِمْ أُسْلُوبٌ مُتَّبَعٌ فِي مَوَاقِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.

وَمُنَاسَبَةُ فِعْلِ التِّلَاوَةِ لَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا تَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الْأُمِّيَّةُ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبَلِّغَ إِلَيْهِمْ مِنَ التَّعْلِيمِ مَا يُسَاوُونَ بِهِ حَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي التِّلَاوَةِ، فَالضَّمِير الْمَجْرُور ب (على) عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ السِّيَاقِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ ضَمِيرُ جَمْعِ الْغَائِبِ فِي الْقُرْآنِ مُرَادًا بِهِ الْمُشْرِكُونَ كَقَوْلِهِ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ [النبأ: ١] .

وَالنَّبَأُ الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ.

وَظَاهِرُ اسْمِ الْمَوْصُولِ الْمُفْرَدِ أَنَّ صَاحِبَ الصِّلَةِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ، وَأَنَّ مَضْمُونَ الصِّلَةِ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ الَّتِي عُرِفَ بِهَا، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ هَذَا النَّبَأِ مِمَّنْ لِلْعَرَبِ إِلْمَامٌ بِمُجْمَلِ خَبَرِهِ.

فَقِيلَ الْمَعْنِيُّ بِهِ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بن العَاصِي، بِأَسَانِيدَ كَثِيرَةٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي «التَّفْسِيرِ» هُوَ الْأَشْهَرُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ ذَلِكَ أَنَّ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيَّ كَانَ مِمَّنْ أَرَادَ اتِّبَاعَ دِينٍ غَيْرَ الشِّرْكِ طَالَبًا دِينَ الْحَقِّ، وَنَظَرَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَلَمْ يَرَ النَّجَاةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَلَا النَّصْرَانِيَّةِ، وَتَزَهَّدَ وَتَوَخَّى الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، وَأُخْبِرَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ نَبِيًّا فِي الْعَرَبِ، فَطَمِعَ أَنْ يَكُونَهُ، وَرَفَضَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، وَحَرَّمَ الْخَمْرَ، وَذَكَرَ فِي شِعْرِهِ أَخْبَارًا مِنْ قَصَصِ التَّوْرَاةِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ إِلْهَامَاتٌ وَمُكَاشَفَاتٌ وَكَانَ يَقُولُ:

كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ ... اللَّهِ إِلَّا دِينَ الْحَنِيفِيَّةِ زُورٌ

وَلَهُ شِعْرٌ كَثِيرٌ فِي أُمُور إلاهية، فَلَمَّا بعث مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسِفَ أَنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الرَّسُولَ الْمَبْعُوثَ فِي الْعَرَبِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَنْ خَرَجَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَأَقَامَ هُنَالِكَ ثَمَانِ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدَ الْبَعْثَةَ، وَتَرَدَّدَ فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَرَجَعَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَلَمْ يُؤمن بالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَدًا، وَرَثَى مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَخَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ

بِلَادِ قَوْمِهِ فَمَاتَ كَافِرًا. وَكَانَ يَذْكُرُ فِي شِعْرِهِ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَاسْمَ اللَّهِ وَأَسْمَاءَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ

قَالَ فِيهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ