: «كَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ»
وَرُوِيَ عَنْ أُمَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَرِضَ مَرَضَ مَوْتِهِ «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ حَقٌّ، وَلَكِنَّ الشَّكَّ يُدَاخِلُنِي فِي مُحَمَّدٍ» .
فَمَعْنَى آتَيْناهُ آياتِنا أَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَ أُمَيَّةَ كَرَاهِيَةَ الشِّرْكِ، وَأَلْقَى فِي نَفْسِهِ طَلَبَ الْحَقِّ، وَيَسَّرَ لَهُ قِرَاءَةَ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِ الْحَنِيفِيَّةَ، فَلَمَّا انْفَتَحَ لَهُ بَابُ الْهُدَى وَأَشْرَقَ نُورُ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَابَرَ وَحَسَدَ وَأَعْرَضَ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَتْ حَالُهُ أَنَّهُ انْسَلَخَ عَنْ جَمِيعِ مَا يُسِّرَ لَهُ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ عِنْدَ إِبَّانِ الِانْتِفَاعِ، فَكَانَ الشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِي صَرَفَهُ عَنِ الْهُدَى فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، إِذْ مَاتَ عَلَى الْكفْر بِمُحَمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ نَزَلَتْ فِي أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيٍّ الرَّاهِبِ، وَاسْمُهُ النُّعْمَانُ الْخَزْرَجِيُّ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالرَّاهِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ، فَلَمَّا قدم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ دَخَلَ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ مَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ- قَالَ- جِئْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ- قَالَ- فَإِنِّي عَلَيْهَا- فَقَالَ النَّبِيءُ- لَسْتَ عَلَيْهَا لِأَنَّكَ أَدْخَلْتَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا»
فَكَفَرَ وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُحَرِّضُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قتال النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْرُجُ مَعَهُمْ، إِلَى أَنْ قَاتَلَ فِي حُنَيْنٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَلَمَّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ يَئِسَ وَخَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَمَاتَ هُنَالِكَ.
وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ، وَكَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ لَهُ: بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَ، وَذَكَرُوا قِصَّتَهُ فَخَلَطُوهَا وَغَيَّرُوهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بِلْعَامَ هَذَا كَانَ مِنْ صَالِحِي أَهْلِ مَدْيَنَ وَعَرَّافِيهِمْ فِي زَمَنِ مُرُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَرْضِ (مُؤَابَ) وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِ الصَّلَاحِ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي سِفْرِ الْعَدَدِ مِنَ التَّوْرَاةِ فِي الْإِصْحَاحَاتِ ٢٢- ٢٣- ٢٤ فَلَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ لِاضْطِرَابِهِ وَاخْتِلَاطِهِ.
وَالْإِيتَاءُ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْإِطْلَاعِ وَتَيْسِيرِ الْعِلْمِ مِثْلُ قَوْلِهِ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ (١) [الْبَقَرَة: ٢٥١] .
وَ «الْآيَاتُ» دَلَائِلُ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي كَرَّهَتْ إِلَيْهِ الشِّرْكَ وَبَعَثَتْهُ عَلَى تَطَلُّبِ الْحَنِيفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ
لِأُمِّيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، أَوْ دَلَائِلِ الْإِنْجِيلِ عَلَى صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
(١) فِي المطبوعة: وآتاه الله الْعلم وَالْحكمَة وَهُوَ غلط، والمثبت هُوَ الْمُوَافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute