وَمِمَّا يَزِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وُضُوحًا مَا
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ يَا حَارِثُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ قَالَ أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا قَالَ اعْلَمْ مَا تَقُولُ- أَوِ انْظُرْ مَا تَقُولُ- إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ قَالَ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ، وَكَأَنِّي أسمع عوراء أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ لَهُ يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ ثَلَاثًا
وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَثُرَتْ طُرُقُهُ.
فَقَوْلُ الْحَارِثِ «أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا» ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ مِنْهُ مُؤْمِنًا كَامِلًا وَكَذَلِكَ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ»
ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مَا كَانَ بِهِ إِيمَانُهُ كَامِلًا وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ أَصْلِ مَاهِيَّةِ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشُكُّ فِي أَنَّهُ مِنْ عِدَادِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا سعيد أمومن أَنْتَ فَقَالَ: «الْإِيمَانُ إِيمَانَانِ فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، فَأَنَا بِهِ مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الْأَنْفَال: ٢- ٤] فو الله مَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَمْ لَا؟.
وَانْتَصَبَ حَقًّا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ إِيمَانًا حَقًّا، أَوْ على أَنه موكد لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ ثُبُوتُ الْإِيمَانِ لَهُمْ حَقٌّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ لِمَعْنَى الْقَصْرِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ،
وَلَيْسَ تَأْكِيدًا لِرَفْعِ الْمَجَازِ عَنِ الْقَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ بِالتَّأْكِيدِ قَصْرًا حَقِيقِيًّا، بَلِ التَّأْكِيدُ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ هُمْ فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ مُؤَوَّلًا بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي وُقُوعِ الْمَصْدَرِ حَالا مثل أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً [يُوسُف: ١٠٧] ، أَيْ مُحَقِّقِينَ إِيمَانَهُمْ بِجَلَائِلِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ: خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٢٢] .
وَجُمْلَةُ: لَهُمْ دَرَجاتٌ خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute