مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقْبَلَهُ أَهْلُ الْعُقُولِ كَانَ مُجَرَّدُ سَمَاعِهِ مُقْتَضِيًا عَدَمَ التولي عَنهُ، ضمن تَوَلَّى عَنْهُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهُ فَأَمْرٌ عَجَبٌ ثُمَّ زَادَ فِي تَشْوِيهِ التَّوَلِّي عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِفِئَةٍ ذَمِيمَةٍ يَقُولُونَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: سَمِعْنَا، وَهُمْ لَا يَصَدِّقُونَهُ وَلَا يَعْمَلُونَ بِمَا يَأْمُرهُم وينهاهم.
و (إِن) لِلتَّمْثِيلِ وَالتَّنْظِيرِ فِي الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ أَثَرًا عَظِيمًا فِي حَثِّ النَّفس على التَّشَبُّه أَوِ التَّجَنُّبِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً [الْأَنْفَال: ٤٧] وَسَيَأْتِي وَأَصْحَابُ هَذِهِ الصِّلَةِ مَعْرُوفُونَ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ بِمُشَاهَدَتِهِمْ، وَبِإِخْبَارِ الْقُرْآنِ عَنْهُمْ، فَقَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَبْلُ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا [الْأَنْفَال: ٣١] وَقَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً [الْأَنْعَام: ٢٥] ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ صُمٌّ بُكْمٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَبَقِيَّتُهُمْ قُتِلُوا جَمِيعًا فِي أُحُدٍ، وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَقُولُوا سَمِعْنَا بَلْ قَالُوا: نَحْنُ صُمٌّ بُكْمٌ، فَلَا يَصْحُ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَلِ الْمُرَادُ طَوَائِفُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمُ الْيَهُودُ، وَقَدْ عُرِفُوا بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَاجَهُوا بِهَا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا [النِّسَاء:
٤٦] وَقِيلَ: أُرِيدَ الْمُنَافِقُونَ قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النِّسَاء: ٨١] وَإِنَّمَا يَقُولُونَ سَمِعْنَا لِقَصْدِ إِيهَامِ الِانْتِفَاعِ بِمَا سَمِعُوا، لِأَنَّ السَّمْعَ يُكَنَّى بِهِ عَن الِانْتِفَاع بالسموع وَهُوَ مَضْمُونُ مَا حُكِيَ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ طاعَةٌ وَلِذَلِكَ نُفِيَ عَنْهُمُ السَّمْعُ بِهَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ أَيْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا سَمِعُوهُ، فَالْمَعْنَى هُوَ مَعْنَى السَّمْعِ الَّذِي أَرَادُوهُ بِقَوْلِهِمْ: سَمِعْنا وَهُوَ إِيهَامُهُمْ أَنَّهُمْ مُطِيعُونَ، فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَاوُ الْحَالِ.
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِيَتَقَرَّرَ مَفْهُومُهُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَيُرَسَّخُ اتِّصَافُهُ بِمَفْهُومِ الْمُسْنَدِ، وَهُوَ انْتِفَاءُ السَّمْعِ عَنْهُمْ، عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ هُوَ التَّعْرِيضُ بِأَهْلِ هَذِهِ الصِّلَةِ مِنَ الْكَافِرِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ لَا خَشْيَةَ وُقُوعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
وَصِيَغَ فِعْلُ لَا يَسْمَعُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى عَدَمِ السَّمْعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute