للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ لِلْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَشَارُوا بِالْفِدَاءِ، وَلَيْسَ مُوَجَّهًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مَا فَعَلَ إِلَّا مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مُشَاوَرَةِ أَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمرَان:

١٥٩] لَا سِيمَا عَلَى مَا

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَنَّ جِبْرِيلَ بَلَّغَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَيِّرَ أَصْحَابَهُ

وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا فَإِنَّ الَّذِينَ أَرَادُوا عَرَضَ الدُّنْيَا هُمُ الَّذِينَ أَشَارُوا بِالْفِدَاءِ، وَلَيْسَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ حَظٌّ.

فَمَعْنَى مَا كَانَ لِنَبِيءٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى نَفْيُ اتِّخَاذِ الْأَسْرَى عَن اسْتِحْقَاق نَبِي لِذَلِكَ الْكَوْنِ.

وَجِيءَ بِ (نَبِيءٍ) نَكِرَةً إِشَارَةً إِلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ سَابِقٌ فِي حُرُوبِ الْأَنْبِيَاءِ فِي بَنِي

إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ فِي الْإِصْحَاحِ عِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ (١) .

وَمِثْلُ هَذَا النَّفْيِ فِي الْقُرْآنِ قَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى النَّهْيِ نَحْوَ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الْأَحْزَاب: ٥٣] . وَقَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ، كَمَا هُنَا، لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ جَاءَ تَمْهِيدًا لِلْعِتَابِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْهُ مَا لَا يَصْلُحُ مِنْ حَيْثُ الرَّأْيِ وَالسِّيَاسَةِ.

وَمَعْنَى هَذَا الْكَوْنِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ: مَا كَانَ لِنَبِيءٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى هُوَ بَقَاؤُهُمْ فِي الْأَسْرِ، أَيْ بَقَاؤُهُمْ أَرِقَّاءَ أَوْ بَقَاءُ أَعْوَاضِهِمْ وَهُوَ الْفِدَاءُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ النَّبِيءِ أَسْرَى، لِأَنَّ أَخْذَ الأسرى من شؤون الْحَرْبِ، وَهُوَ من شؤون الْغَلَبِ، إِذَا اسْتَسْلَمَ الْمُقَاتِلُونَ، فَلَا يَعْقِلُ أَحَدٌ نَفْيَهُ عَنِ النَّبِيءِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفِيُ أَثَرِهِ، وَإِذَا نُفِيَ أَثَرُ الْأَسْرِ صَدَقَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: وَهُمَا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِإِطْلَاقِهِمْ، أَوْ قَتْلُهُمْ، وَلَا يَصْلُحُ الْمَنُّ هُنَا، لِأَنَّهُ يُنَافِي الْغَايَةَ وَهِيَ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ قَتْلُ الْأَسْرَى الْحَاصِلِينَ فِي يَدِهِ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْأَجْدَرُ بِهِ حِينَ ضَعْفِ الْمُؤْمِنِينَ، خَضْدًا لِشَوْكَةِ أَهْلِ الْعِنَادِ، وَقَدْ صَارَ حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ تَشْرِيعًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ يَأْسِرُهُمْ فِي غَزَوَاتِهِ.


(١) فِي الْفَقْرَة ١٣ مِنْهُ «وَإِذا دَفعهَا (الضَّمِير عَائِد إِلَى مَدِينَة) الرب إلهك إِلَى يدك جَمِيع ذكورها بِالسَّيْفِ.