للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تُنَاسِبٌ، هَذَا حَاصِلُهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ جُمْلَةً ذَاتَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَخَبَرَيْنِ عَلَى جُمْلَةٍ ذَاتِ مُبْتَدَأٍ مَلْفُوظٍ بِهِ وَخَبَرَيْنِ، فَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ فِيهَا مُقَدَّرٌ لِإِغْنَاءِ حَرْفِ الْعَطْفِ عَنْهُ بَلْ هُوَ مَحْذُوفٌ لِلْقَرِينَةِ أَوِ الْمُنَاسَبَةِ فِي عَطْفِ جُمْلَةِ (الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ) عَلَى جُمْلَةِ (الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ) . إِنَّهُمَا صِفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ ثَبَتَتَا لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ هُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ لَهُ صِفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ أُخْرَيَانِ.

قَالَ السَّيِّدُ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ «الْمِفْتَاحِ» عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَتَحَيَّرَ الْجَامِدُونَ عَلَى كَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» هُنَا عَطْفُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَقَدِّمَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الطَّلَبِ أَوْ بِالْعَكْسِ لِتَتَنَاسَبَ الْجُمْلَتَانِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ «الْكَشَّافِ» صَرِيحَةٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَقَصَدَ السَّيِّدُ مِنْ ذَلِكَ إِبْطَالَ فَهْمٍ فَهِمَهُ سَعْدُ الدِّينِ مِنْ كَلَامِ «الْكَشَّافِ» وَأَوْدَعَهُ فِي شَرْحِهِ «المطول» على «التخليص» (١) .

وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَبَشِّرِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْله: فَاتَّقُوا [الْبَقَرَة: ٢٤] الَّذِي هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْجَوَابِ أَيْضًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا [الْبَقَرَة: ٢٤] سَبَبٌ لَهُمَا لِأَنَّهُمْ إِذَا عَجَزُوا عَنِ الْمُعَارَضَةِ فَقَدْ ظَهَرَ صِدْقُ النَّبِيءِ فَحَقَّ اتِّقَاءُ النَّارِ وَهُوَ الْإِنْذَارُ لِمَنْ دَامَ عَلَى كُفْرِهِ وَحَقَّتِ الْبِشَارَةُ لِلَّذِينَ آمَنُوا. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْجَوَابِ مُخَالِفًا لَهُ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ مَسَاقَ خِطَابٍ لِلْكَافِرِينَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيءِ فَلَمَّا أُرِيدَ تَرَتُّبُ الْإِنْذَارِ لَهُمْ وَالْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ جُعِلَ الْجَوَابُ خِطَابًا لَهُمْ مُبَاشَرَةً لِأَنَّهُمُ الْمُبْتَدَأُ بخطابهم وخطابا للنبيء لِيُخَاطِبَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْخِطَابِ فَلَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ لِخِطَابِهِمْ إِلَّا الْإِرْسَالُ إِلَيْهِمْ.


(١) قَالَ قد يُوهم تَمْثِيل صَاحب «الْكَشَّاف» لذَلِك بِقَوْلِك: زيد يُعَاقب بالقيد والإرهاق وَبشر عمرا [.....]