أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ»
. فَكَلِمَةُ الْكُفْرِ جِنْسٌ لِكُلِّ كَلَامٍ فِيهِ تَكْذِيبُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أُطْلِقَتْ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَالْكَلِمَاتُ الصَّادِرَةُ عَنْهُمْ عَلَى اخْتِلَافِهَا، مَا هِيَ إِلَّا أَفْرَادٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إِسْنَادُ الْقَوْلِ إِلَى ضَمِيرِ جَمَاعَةِ الْمُنَافِقِينَ.
فَعَنْ قَتَادَةَ: لَا عِلْمَ لَنَا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَيٍّ إِذْ كَانَ لَا خَبَرَ يُوجِبُ الْحُجَّةَ وَنَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْعِلْمِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَلِمَةٌ صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ تَدُلُّ عَلَى تَكْذِيبِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْجُلَاسَ- بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ- بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحَنُّ أَشَرُّ مِنْ حَمِيرِنَا هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَ عَنْهُ رَبِيبُهُ النَّبِيءَ فَدَعَاهُ النَّبِيءُ وَسَأَلَهُ عَنْ مَقَالَتِهِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ لِقَوْلِهِ الَّذِي حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المُنَافِقُونَ: ٨] فَسَعَى بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَسَأَلَهُ فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ.
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ يَكُونُ إِسْنَادُ الْقَوْلِ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعٍ كِنَايَةً عَنْ إِخْفَاءِ اسْمِ الْقَائِلِ كَمَا يُقَالُ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا. وَقَدْ فَعَلَهُ وَاحِدٌ، أَوْ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ وَاحِدٍ وَسَمَاعِ الْبَقِيَّةِ فَجُعِلُوا مُشَارِكِينَ فِي التَّبِعَةِ كَمَا يُقَالُ: بَنُو فُلَانٍ قَتَلُوا فُلَانًا وَإِنَّمَا قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْقَبِيلَةِ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّةِ وُقُوعِ كَلِمَةٍ مِنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ فَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَآمَرُونَ عَلَى مَا يَخْتَلِقُونَهُ. وَكَانَ مَا يَصْدُرُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَلَقَّفُهُ جُلَسَاؤُهُ
وَأَصْحَابُهُ وَيُشَارِكُونَهُ فِيهِ.
وَأَمَّا إِسْنَادُ الْكُفْرِ إِلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ فَكَذَلِكَ.
وَمَعْنَى بَعْدَ إِسْلامِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فِي الصُّورَةِ، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ الْإِسْلَامُ إِلَيْهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [التَّوْبَة: ٦٦] .
والهمّ: نِيَّةُ الْفِعْلِ سَوَاءً فُعِلَ أَمْ لَمْ يُفْعَلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute