للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَنَوَالُ الشَّيْءِ حُصُولُهُ، أَيْ هَمُّوا بِشَيْءٍ لَمْ يُحَصِّلُوهُ وَالَّذِي هَمُّوا بِهِ هُوَ الْفَتْكُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ تَبُوكَ تَوَاثَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَتَرَصَّدُوا لَهُ فِي عَقَبَةٍ بِالطَّرِيقِ تَحْتَهَا وَادٍ فَإِذَا اعْتَلَاهَا لَيْلًا يَدْفَعُونَهُ عَنْ رَاحِلَتِهِ إِلَى الْوَادِي وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَائِرًا وَقَدْ أَخَذَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهِ يَقُودُهَا. وَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَسُوقُهَا فَأَحَسَّ حُذَيْفَةُ بِهِمْ فَصَاحَ بِهِمْ فَهَرَبُوا.

وَجُمْلَةُ: وَما نَقَمُوا عَطْفٌ عَلَى وَلَقَدْ قالُوا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ مَا يَنْقِمُونَ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى دُخُولِ الْإِسْلَامِ الْمَدِينَةَ شَيْئًا يَدْعُوهُمْ إِلَى مَا يَصْنَعُونَهُ مِنْ آثَارِ الْكَرَاهِيَةِ وَالْعَدَاوَةِ.

وَالنَّقْمُ الِامْتِعَاضُ مِنَ الشَّيْءِ وَاسْتِنْكَارُهُ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٢٦] .

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ اسْتِثْنَاءٌ تَهَكُّمِيٌّ. وَهُوَ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

وَنُكْتَتُهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَظْهَرُ كَأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ يَنْقُضُ حُكْمَهُ الْخَبَرِيَّ وَنَحْوَهُ فَيَذْكُرُ شَيْئًا هُوَ مِنْ مُؤَكِّدَاتِ الْحُكْمِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ اسْتَقْصَى فَلَمْ يَجِدْ مَا يُنْقِضُهُ.

وَإِنَّمَا أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِمَا جَلَبَهُ حُلُولُ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ بِكَثْرَةِ عَمَلِ الْمُهَاجِرِينَ وَبِوَفْرَةِ الْغَنَائِمِ فِي الْغَزَوَاتِ وَبِالْأَمْنِ الَّذِي أَدْخَلَهُ الْإِسْلَامُ فِيهِمْ إِذْ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً فَانْتَفَتِ الضَّغَائِنُ بَيْنَهُمْ وَالثَّارَاتُ، وَقَدْ كَانَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَعْدَاءً وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ تَفَانَوْا فِيهَا قُبَيْلَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ حُرُوبُ بُعَاثٍ.

وَالْفضل: الزِّيَادَةُ فِي الْبَذْلِ وَالسَّخَاءِ. ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَفِي جَعْلِ الْإِغْنَاءِ مِنَ الْفَضْلِ كِنَايَةٌ عَنْ وَفْرَةِ الشَّيْءِ الْمُغْنَى بِهِ لِأَنَّ ذَا الْفَضْلِ يُعْطِي الْجَزْلَ.

وَعُطِفَ الرَّسُولُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي فِعْلِ الْإِغْنَاءِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ الْمُبَاشِرُ.