للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.

التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ [التَّوْبَة: ٧٣] عَلَى عَادَةِ الْقُرْآنِ فِي تَعْقِيبِ الْوَعِيدِ بِالْوَعْدِ وَالْعَكْسِ فَلَمَّا أُمِرَ بِجِهَادِهِمْ وَالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ وَتَوَعُّدِهِمْ بِالْمَصِيرِ إِلَى النَّارِ، فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ التَّوْبَةَ مَفْتُوحَةٌ لَهُمْ وَأَنَّ تَدَارُكَ أَمْرِهِمْ فِي مِكْنَتِهِمْ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَمْرِ بِجِهَادِهِمْ قَطْعُ شَأْفَةِ مَضَرَّتِهِمْ أَوْ أَنْ يَصْلُحَ حَالُهُمْ.

وَالتَّوْبَةُ هِيَ إِخْلَاصُهُمُ الْأَيْمَانَ. وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالضَّمِيرُ فِي يَكُ عَائِدٌ إِلَى مَصْدَرِ يَتُوبُوا وَهُوَ التَّوْبُ.

وَالتَّوَلِّي: الْإِعْرَاضُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْرَاضُ عَنِ التَّوْبَةِ. وَالْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا عَذَابُ الْجِهَادِ وَالْأَسْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ.

وَجِيءَ بِفِعْلِ يَكُ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ دُونَ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ يَتُوبُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ لِتَأْكِيدِ وُقُوعِ الْخَيْرِ عِنْدَ التَّوْبَةِ، وَالْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْخَيْرُ إِلَّا عِنْدَ التَّوْبَةِ لِأَنَّ فِعْلَ التَّكْوِينِ مُؤْذِنٌ بِذَلِكَ.

وَحَذْفُ نُونِ «يَكُنْ» لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّهَا لِسُكُونِهَا تَهَيَّأَتْ لِلْحَذْفِ وَحَسَّنَهُ وُقُوعُ حَرَكَةٍ بَعْدَهَا وَالْحَرَكَةُ ثَقِيلَةٌ فَلِذَلِكَ شَاعَ حَذْفُ هَذِهِ النُّونِ فِي كَلَامِهِمْ كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤٠] .

وَجُمْلَةُ: وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ إِلَخْ فَتَكُونُ جَوَابًا ثَانِيًا لِلشَّرْطِ، وَلَا يَرِيبُكَ أَنَّهَا جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِمُبَاشَرَةِ أَدَاةِ الشَّرْطِ بِدُونِ فَاءٍ رَابِطَةٍ. لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعَاتِ فَإِنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ كَافٍ فِي رَبْطِ الْجُمْلَةِ تَبَعًا لِلْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا.

وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِنْ تَوَلَّوْا لَمْ يَجِدُوا مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنَ الْقَبَائِلِ إِذْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا مَنْ لَا يَعْبَأُ بِهِمْ عَدَدًا وَعُدَدًا، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْوَلِيِّ النَّافِعِ كَمَا هُوَ

مَفْهُومُ الْوَلِيِّ وَأَمَّا مَنْ لَا يَنْفَعُ فَهُوَ حَبِيبٌ وَوَدُودٌ وَلَيْسَ بالولي.