للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [التَّوْبَة: ٧٤] الْآيَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ آنِفًا. وَأَوَّلُ التَّوْبَةِ الْإِيمَانُ لِأَنَّهُ إِقْلَاعٌ عَنِ الشِّرْكِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ مَعَ الْإِيمَانِ وَتَابَ مِنْهُ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ النَّعْتُ الْمَنْعُوتَ وَهُوَ الْمُؤْمِنِينَ [التَّوْبَة: ١١١] .

والْعابِدُونَ: الْمُؤَدُّونَ لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

والْحامِدُونَ: الْمُعْتَرِفُونَ لِلَّهِ تَعَالَى بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمُ الشَّاكِرُونَ لَهُ.

والسَّائِحُونَ: مُشْتَقٌّ مِنَ السِّيَاحَةِ. وَهِيَ السَّيْرُ فِي الْأَرْضِ. وَالْمُرَادُ بِهِ سَيْرٌ خَاصٌّ مَحْمُودٌ شَرْعًا. وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي فِيهِ قُرْبَةٌ لِلَّهِ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ، مِثْلُ سَفَرِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ أَوِ السَّفَرِ لِلْحَجِّ أَوِ السَّفَرِ لِلْجِهَادِ. وَحَمْلُهُ هُنَا عَلَى السَّفَرِ لِلْجِهَادِ أَنْسَبُ بِالْمَقَامِ وَأَشْمَلُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَأْمُورِينَ بِالْجِهَادِ بِخِلَافِ الْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ.

والرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ: هُمُ الْجَامِعُونَ بَيْنَهُمَا، أَيِ الْمُصَلُّونَ، إِذِ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ

لَا تَخْلُو مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

والْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ: الَّذِينَ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْهُدَى وَالرَّشَادِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَمَّا يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ وَيَأْبَاهُ. وَإِنَّمَا ذُكِرَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ دُونَ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ وَتَرْكُهُ فِي الْأَخْبَارِ وَنَحْوِهَا جَائِزَيْنِ، إِلَّا أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ فِي عَطْفِ هَذَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَوْصَافِ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ:

الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ظَاهِرَةٌ فِي اسْتِقْلَالِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ. ثُمَّ لَمَّا ذُكِرَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَامِعُونَ بَيْنَهُمَا، أَيِ الْمُصَلُّونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ. وَلِأَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِمَّنْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَانَتْ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ رُكُوعًا فَقَطْ، قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ [ص: ٢٤] ، وَبَعْضُ الصَّلَوَاتِ سُجُودًا فَقَطْ كَبَعْضِ صَلَاةِ النَّصَارَى، قَالَ تَعَالَى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمرَان: ٤٣] . وَلَمَّا جَاءَ بَعْدَهُ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَكَانَا صِفَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عُطِفَتَا بِالْوَاوِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اعْتِبَارُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَالْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا وَهُمَا الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ فَالْوَاوُ هُنَا كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً [التَّوْبَة: ١١٢] .