للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالنَّقْضُ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ فِي فَسْخِ وَحَلِّ مَا رُكِّبَ وَوُصِلَ، بِفِعْلٍ يُعَاكِسُ الْفِعْلَ الَّذِي كَانَ بِهِ التَّرْكِيبُ، وَإِنَّمَا زِدْتُ قَوْلِي بِفِعْلٍ إِلَخْ لِيَخْرُجَ الْقَطْعُ وَالْحَرْقُ فَيُقَالُ نَقَضَ الْحَبْلَ إِذَا حَلَّ مَا كَانَ أَبْرَمَهُ، وَنَقَضَ الْغَزْلَ وَنَقَضَ الْبِنَاءَ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ النَّقْضُ هُنَا مَجَازًا فِي إِبْطَالِ الْعَهْدِ بِقَرِينَةِ إِضَافَتِهِ إِلَى (عَهْدِ اللَّهِ) وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ مِنْ مُخْتَرَعَاتِ الْقُرْآنِ بُنِيَتْ عَلَى مَا شَاعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِي تَشْبِيهِ الْعَهْدِ وَكُلِّ مَا فِيهِ وَصْلٌ بِالْحَبْلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ التيهَان الْأنْصَارِيّ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ حِبَالًا وَنَحْنُ قَاطِعُوهَا فَنَخْشَى إِنْ أَعَزَّكَ اللَّهُ وَأَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ» (يُرِيدُ الْعُهُودَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ) . وَكَانَ الشَّائِعُ فِي الْكَلَامِ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْقَطْعِ وَالصَّرْمِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا عَلَى إِبْطَالِ الْعَهْدِ أَيْضًا فِي كَلَامِهِمْ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

وَقَالَ لبيد:

أَو لم تَكُنْ تَدْرِي نَوَارُ بِأَنَّنِي ... وَصَّالُ عَقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا

وَقَالَ:

بَلْ مَا تَذَكَّرَ مِنْ نَوَارَ وَقَدْ نَأَتْ ... وَتَقَطَّعَتْ أَسْبَابُهَا وَرِمَامُهَا

وَقَالَ:

فَاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ ... فَلَشَرُّ وَاصِلِ خُلَّةٍ صَرَّامُهَا

وَوَجْهُ اخْتِيَارِ اسْتِعَارَةِ النَّقْضِ الَّذِي هُوَ حَلُّ طَيَّاتِ الْحَبْلِ إِلَى إِبْطَالِ الْعَهْدِ أَنَّهَا تَمْثِيلٌ لِإِبْطَالِ الْعَهْدِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا وَفِي أَزْمِنَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ وَمُعَالَجَةٍ. وَالنَّقْضُ أَبْلَغُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِبْطَالِ مِنَ الْقطع والصرم وَنَحْو هما لِأَنَّ فِي النَّقْض إفسادا لهيأة الْحَبْلِ وَزَوَالَ رَجَاءِ عَوْدِهَا وَأَمَّا الْقَطْعُ فَهُوَ تَجْزِئَةٌ.

وَفِي النَّقْضِ رَمْزٌ إِلَى اسْتِعَارَةٍ مَكْنِيَّةٍ لِأَنَّ النَّقْضَ مِنْ رَوَادِفِ الْحَبْلِ فَاجْتَمَعَ هُنَا اسْتِعَارَتَانِ مَكْنِيَّةٌ وَتَصْرِيحِيَّةٌ وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ تَمْثِيلِيَّةٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ أَنَّ مَا يُرْمَزُ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ الْمَطْرُوحِ فِي الْمَكْنِيَّةِ قَدْ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى حَقِيقِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ التَّخْيِيلِ وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْمُشَبَّهِ الْمَذْكُورِ فِي صُورَةِ الْمَكْنِيَّةِ رَدِيفٌ يُمْكِنُ تَشْبِيهُهُ بِرَدِيفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمَطْرُوحِ مِثْلُ إِثْبَاتُُِ