الْأَظْفَارِ لِلْمَنِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ أَظْفَارُ الْمَنِيَّةِ وَإِثْبَاتِ الْمَخَالِبِ وَالنَّابِ لِلْكُمَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي فِرَاسٍ الْحَمْدَانِيِّ:
فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الْهَيْجَاءُ كُنَّا ... أَشَدَّ مُخَالِبًا وَأَحَدَّ نَابَا
وَإِثْبَاتُ الْيَدِ لِلشَّمَالِ فِي قَوْلِ لَبِيدٍ:
وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ كَشَفْتُ وَقِرَّةٍ ... إِذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا
وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ إِذَا كَانَ لِلْمُشَبَّهِ فِي الْمَكْنِيَّةِ رَدِيفٌ يُمْكِنُ تَشْبِيهُهُ بِرَدِيفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُضْمَرِ نَحْوُ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ، وَقَدْ زِدْنَا أَنَّهَا تَمْثِيلِيَّةٌ أَيْضًا وَالْبَلِيغُ لَا يُفْلِتُ هَاتِهِ الِاسْتِعَارَةَ مَهْمَا تَأْتِ لَهُ وَلَا يَتَكَلَّفُ لَهَا مَهْمَا عَسِرَتْ فَلَيْسَ الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ فِي قَرِينَةِ الْمَكْنِيَّةِ إِلَّا جَوَازًا فِي الْجُمْلَةِ أَيْ بِالنَّظَرِ إِلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ.
وَهَذَا الَّذِي هُوَ مِنْ رَوَادِفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي صُورَةِ الْمَكْنِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَدْ يَقْطَعُ عَنِ الرَّبْطِ بِالْمَكْنِيَّةِ فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً مُسْتَقِلَّةً (وَذَلِكَ حَيْثُ لَا تَذْكُرُ مَعَهُ لَفَظًا يُرَادُ تَشْبِيهُهُ بِمُشَبَّهٍ بِهِ مُضْمَرٍ) نَحْوُ أَنْ تَقُولَ فُلَانٌ يَنْقُضُ مَا أَبْرَمَ. وَقَدْ يُرْبَطُ بِالْمَكْنِيَّةِ وَذَلِكَ حَيْثُ يُذْكَرُ مَعَهُ شَيْءٌ أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ بِمُشَبَّهٍ بِهِ مُضْمَرٍ كَمَا فِي الْآيَةِ حَيْثُ ذُكِرَ النَّقْضُ مَعَ الْعَهْدِ. وَقَدْ يُرْبَطُ بِمُصَرَّحَةٍ وَذَلِكَ حَيْثُ يُذْكَرُ مَعَ لَفْظِ الْمُشَبَّهِ بِهِ الَّذِي الرَّادِفُ مِنْ تَوَابِعِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ: «إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الْقَوْمِ حِبَالًا نَحْنُ قَاطِعُوهَا» وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَرْشِيحًا لِلْمَجَازِ وَهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ مُتَدَاخِلَةٌ لَا مُتَضَادَّةٌ إِذْ قَدْ يَصِحُّ فِي الْمَوْضِعِ اعْتِبَارَانِ مِنْهَا أَوْ جَمِيعُهَا وَإِنَّمَا التَّقْسِيمُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْبَلِيغُ أَوَّلَ النَّظَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ رَدِيفَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمَكْنِيَّةِ إِذَا اعْتُبِرَ اسْتِعَارَةً فِي ذَاتِهِ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ اعْتِبَارَهُ ذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ رَمْزًا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُضْمَرِ كَالنَّقْضِ فَإِنَّهُ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ إِبْطَالُ الْعَهْدِ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَوَادِفِ الْحَبْلِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ إِيذَانُهُ بِالْحَبْلِ سَابِقًا عِنْدَ سَمَاعِ لَفْظِهِ لِسَبْقِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ إِلَى ذِهْنِ السَّامِعِ حَتَّى يَتَأَمَّلَ فِي الْقَرِينَةِ كَفَى ذَلِكَ السَّبْقُ دَلِيلًا وَرَمْزًا عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُضْمَرِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ الرَّمْزُ لَمْ يَضُرَّ فَهْمُ الِاسْتِعَارَةِ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ كَوْنَهُ رَادِفًا بَعْدَ كَوْنِهِ اسْتِعَارَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمَّا شُبِّهَ بِهِ الرَّادِفُ وَسُمِّيَ بِهِ صَارَ رَادِفًا ادِّعَائِيًّا وَفِيهِ تَكَلُّفٌ.
وَ (عَهْدَ اللَّهِ) هُوَ مَا عَهِدَ بِهِ أَيْ مَا أَوْصَى بِرَعْيِهِ وَحِفَاظِهِ، وَمَعَانِي الْعَهْدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرَةٌ وَتَصْرِيفُهُ عُرْفِيٌّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: «قَالَ بَعْضُهُمْ مَا أَدْرِي مَا الْعَهْدُ» وَمَرْجِعُ مَعَانِيهِ إِلَى الْمُعَاوَدَةُُِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute