للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْعَزِيزُ: الْغَالِبُ. وَالْعِزَّةُ: الْغَلَبَةُ. يُقَالُ عَزَّهُ إِذَا غَلَبَهُ. وَمِنْهُ وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: ٢٣] ، فَإِذا عدي بعلى دَلَّ عَلَى مَعْنَى الثِّقَلِ وَالشِّدَّةِ عَلَى النَّفْسِ. قَالَ بِشْرُ بْنُ عَوَانَةَ فِي ذِكْرِ قَتْلِهِ الْأَسَدَ وَمُصَارَعَتِهِ إِيَّاهُ:

فَقُلْتُ لَهُ يَعِزُّ عَلِيَّ أَنِّي ... قَتَلْتُ مُنَاسِبِي جَلَدًا وَقَهْرَا

وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. وعَنِتُّمْ: تَعِبْتُمْ. وَالْعَنَتُ: التَّعَبُ، أَيْ شَاقٌّ عَلَيْهِ حُزْنُكُمْ وَشَقَاؤُكُمْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: ٣] وَذُكِرَ هَذَا فِي صِفَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا خُلُقٌ لَهُ فَيَكُونُ أَثَرُ ظُهُورِهِ الرِّفْقَ بِالْأُمَّةِ وَالْحَذَرَ مِمَّا يُلْقِي بِهِمْ إِلَى الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ شَفَاعَتُهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الْمَوْقِفِ لِتَعْجِيلِ الْحِسَابِ. ثُمَّ إِن ذَلِك يومىء إِلَى أَنَّ شَرْعَهُ جَاءَ مُنَاسِبًا لِخُلُقِهِ فَانْتَفَى عَنْهُ الْحَرَجُ وَالْعُسْرُ قَالَ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَة: ١٨٥] وَقَالَ:

وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الْحَج: ٧٨] .

وَالْعُدُولُ عَنِ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الْعَنَتِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ الصَّرِيحُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ مَعَ (مَا) الْمَصْدَرِيَّةِ السَّابِكَةِ لِلْمَصْدَرِ نُكْتَةٌ. وَهِيَ إِفَادَةُ أَنَّهُ قَدْ عَزَّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمُ الْحَاصِلُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي مَضَى، وَذَلِكَ بِمَا لَقُوهُ مِنْ قَتْلِ قَوْمِهِمْ، وَمِنَ الْأَسْرِ فِي الْغَزَوَاتِ، وَمِنْ قَوَارِعِ الْوَعِيدِ

وَالتَّهْدِيدِ فِي الْقُرْآنِ. فَلَوْ أُتِيَ بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَكُنْ مُشِيرًا إِلَى عَنَتٍ مُعَيَّنٍ وَلَا إِلَى عَنَتٍ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا زَمَانَ لَهُ بَلْ كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَعِزَّ عَلَيْهِ بِأَنْ يُجَنِّبَهُمْ إِيَّاهُ، وَلَكِنَّ مَجِيءَ الْمَصْدَرِ مُنْسَبِكًا مِنَ الْفِعْلِ الْمَاضِي يَجْعَلُهُ مَصْدَرًا مُقَيَّدًا بِالْحُصُولِ فِي الْمَاضِي، أَلَاَ تَرَى أَنَّكَ تُقَدِّرُهُ هَكَذَا: عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكُمُ الْحَاصِلُ فِي مَا مَضَى لِتَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا لَقُوهُ مِنَ الشِّدَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِاسْتِصْلَاحِ حَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يُخْفِضُونَ بَعْدَهَا مِنْ غُلْوَائِهِمْ وَيَرْعَوُونَ عَنْ غَيِّهِمْ وَيَشْعُرُونَ بِصَلَاحِ أَمْرِهِمْ.

وَالْحِرْصُ: شِدَّةُ الرَّغْبَةِ فِي الشَّيْءِ وَالْجَشَعِ إِلَيْهِ. وَلَمَّا تَعَدَّى إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ الدَّالِّ عَلَى الذَّوَاتِ وَلَيْسَتِ الذَّوَاتُ هِيَ مُتَعَلِّقُ الْحِرْصِ هُنَا تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ فُهِمَ مِنْ مَقَامِ التَّشْرِيعِ، فَيُقَدَّرُ: عَلَى إِيمَانِكُمْ أَو هديكم.

و