للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَافْتُتِحَتْ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا، وَلِأَنَّهُ يُفِيدُ مُفَادَ لَامِ التَّعْلِيلِ وَفَاءِ التَّفْرِيعِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي لَا يُقْصَدُ فِيهِ دَفْعُ إِنْكَارٍ مِنَ الْمُخَاطَبِ.

وَيَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى كَلِمَةِ قَوْلُهُمْ لِكَيْ لَا يَتَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ يَسْمَعُ جُمْلَةَ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً فَيَحْسَبُهُ مَقُولًا لقَولهم فيتطلب لماذَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ سَبَبًا لِحُزْنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَيْفَ يَحْزَنُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَامِ مَا يَهْدِي السَّامِعَ سَرِيعًا إِلَى الْمَقْصُودِ.

وَنَظِيرُ هَذَا الْإِيهَامِ مَا حُكِيَ أَنَّ ابْنَ قُتَيْبَةَ (وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ) ذَكَرَ قِرَاءَةَ أَبِي حَيْوَةَ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ- بِفَتْحِ هَمْزَةِ (أَنَّ) - وَأُعْرِبَ بَدَلًا مِنْ (قَوْلُهُمْ) فَحَكَمَ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ كُفْرٌ. حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي «الْكَشَّافِ» فَقَالَ: «وَمَنْ جَعَلَهُ بَدَلًا مِنْ (قَوْلُهُمْ) ثُمَّ أَنْكَرَهُ فَالْمُنْكَرُ هُوَ تَخْرِيجُهُ» .

وَلَعَلَّ ابْنَ قُتَيْبَةَ أَرَادَ أَنَّ كَسْرَ الْهَمْزَةِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا لِأَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا مَعْمُولَةً لِ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ شَأْنَ (إِنَّ) بَعْدَ فِعْلِ الْقَوْلِ أَنْ لَا تَكُونَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لَكِنَّ ذَلِكَ احْتِمَالٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا، وَالسِّيَاقُ يُعَيِّنُ الِاحْتِمَالَ الصَّحِيحَ.

فَأَمَّا إِذَا فُتِحَتِ الْهَمْزَةُ كَمَا قَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ أَنْ تَكُونَ مَعْمُولَةً لِمَا ذُكِرَ قَبْلَهَا وَهُوَ لَفْظُ قَوْلُهُمْ وَلَا مَحْمَلَ لَهَا عِنْدَهُ إِلَّا أَنَّهَا أَيِ الْمَصْدَرَ الْمُنْسَبِكَ. مِنْهَا بَدَلٌ مِنْ كَلِمَةِ قَوْلُهُمْ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: أَنَّ الله نهى نبيئه عَنْ أَنْ يَحْزَنَ مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَكَيْفَ وَهُوَ إِنَّمَا يَدْعُوهُمْ لِذَلِكَ. وَإِذْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ شَيْءٍ يَقْتَضِي تَجْوِيزَ تَلَبُّسِ الْمَنْهِيِّ بِالشَّيْءِ الْمُنْهَى عَنْهُ اقْتَضَى ذَلِكَ تَجْوِيزَ تَلَبُّسِ النَّبِيءِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِالْحُزْنِ لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ وَهَذَا التجويز يؤول إِلَى كُفْرِ مَنْ يُجَوِّزُهُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّكْفِيرِ بِاللَّازِمِ، وَمَقْصِدُهُ التَّشْنِيعُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ.