للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا بَنَى ابْنُ قُتَيْبَةَ كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْقُرْآنِ دُونَ تَقْدِيرِ حَرْفٍ قَبْلَ (أَنَّ) لَعَلَّهُ رَاعَى أَنَّ التَّقْدِيرَ خِلَافُ الْأَصْلِ أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ كَافٍ فِي دَفْعِ الْإِيهَامِ. فَالْوَجْهُ أَنَّ ابْنَ قُتَيْبَةَ هَوَّلَ مَا لَهُ تَأْوِيلٌ، وَرَدَّ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ رَدَّ أَصِيلٍ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِزَّةَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلَّهِ لِلْمِلْكِ. وَقَدْ أَفَادَ جَعْلُ جِنْسِ الْعِزَّةِ مِلْكًا لِلَّهِ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا ثَابِتٌ لِلَّهِ، فَيُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَقْوَى أَنْوَاعِهَا وَأَقْصَاهَا. وَبِذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَمْلِكُ مِنْهَا إِلَّا أَنْوَاعًا قَلِيلَةً، فَمَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِزَّةِ يُوجَدُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّ أَعْظَمَ مِنْهُ مِنْ نَوْعِهِ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى. فَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ لِمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُ اللَّهِ مِنَ الْعِزَّةِ تَأْثِيرٌ إِذَا صَادَمَ عِزَّةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ إِلَّا إِذَا أَمْهَلَهُ اللَّهُ، فَكُلُّ عِزَّةٍ يَسْتَخْدِمُهَا صَاحِبُهَا فِي مُنَاوَاةِ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ نَصَرَهُ فَهِيَ مَدْحُوضَةٌ مَغْلُوبَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: ٢١] وَإِذْ قَدْ كَانَ النَّبِيءُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ وَأَمَرَهُ بِزَجْرِ الْمُشْرِكِينَ عَمَّا هُمْ فِيهِ كَانَ بِحَيْثُ يُؤْمِنُ بِالنَّصْرِ إِذَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ مُرَادُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عِزَّةٍ هُوَ فِي جَانِبِ عِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعَدَمِ.

وجَمِيعاً حَالٌ من الْعِزَّةَ موكّدة مَضْمُونَ الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا الْمُفِيدَ لِاخْتِصَاصِهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ جِنْسِ الْعِزَّةِ لِدَفْعِ احْتِمَالِ إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي مِلْكِ ذَلِكَ الْجِنْسِ.

وَجُمْلَةُ: هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ مُسْتَأْنَفَةٌ وَإِجْرَاءُ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ الْوَاقِعِ رُكْنًا فِي الْجُمْلَةِ التَّعْلِيلِيَّةِ يَجُرُّ مَعْنَى التَّعْلِيلِ إِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَتُفِيدُ الْجُمْلَةَ تَعْلِيلًا آخَرَ أَوْ تَكْمِلَةً لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ إِذَا تَذَكَّرَ الْمُخَاطَبُ أَنَّ صَاحِبَ الْعِزَّةِ يَعْلَمُ أَقْوَالَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ زَادَ ذَلِكَ قُوَّةً فِي دَفْعِ الْحُزْنِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الَّذِي نَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَتَطْوَالِهِمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمُحِيطٌ عِلْمُهُ بِمَا يَقُولُونَهُ وَبِأَحْوَالِهِمْ. فَهُوَ إِذَا نَهَاكَ عَنِ الْحُزْنِ مِنْ

أَقْوَالِهِمْ مَا نَهَاكَ إِلَّا وَقَدْ ضَمِنَ لَكَ السَّلَامَةَ مِنْهُمْ مَعَ ضَعْفِكَ وَقُوَّتِهِمْ لِأَنَّهُ يَمُدُّكَ بِقُوَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِتَكْوِينِ أَسْبَابِ نَصْرِكَ عَلَيْهِمْ.