كَمَا مُتِّعَ قَوْمُ نُوحٍ زَمَنًا طَوِيلًا ثُمَّ لَمْ يُفْلِتُوا مِنَ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، فَذِكْرُ قِصَّةِ نُوحٍ مَعَ قَوْمِهِ عِظَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَمُلْقِيًا بِالْوَجَلِ وَالذُّعْرِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ تَأْنِيسٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ أُسْوَةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ أَقْوَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ قِصَّةُ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَقبهَا كَمَا ينبىء عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي نِهَايَةِ هَذِهِ الْقِصَصِ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يُونُس: ٩٩] الْآيَاتِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ [يُونُس: ٩٤] الْآيَاتِ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ حُسْنُ مَوْقِعِ (إِذْ) مِنْ قَوْلِهِ: إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّ تَقْيِيدَ النَّبَأِ بِزَمَنِ قَوْلِهِ: لِقَوْمِهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مُحَاوَرَتَهُ قَوْمَهُ وَإِصْرَارَهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ هُوَ مَحَلُّ الْعِبْرَةِ، لِأَنَّهُ وَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ قَوْمِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي صَمِّ آذَانِهِمْ عَنْ دَعْوَةِ رَسُولِهِمْ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ لَهُمْ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ كَرَّرَ دُعَاءَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ جَدَلٍ بَينه وَبينهمْ، وَالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا أَهْلَ مَكَّةَ سِنِينَ وَقْتَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ حَاوَرَهُمْ وَجَادَلَهُمْ وَلِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَنَ هُوَ أَعْظَمُ مَوْقِفٍ وَقَفَهُ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ قَوْمِهِ، وَكَانَ هُوَ
الْمَوْقِفُ الْفَاصِلُ الَّذِي أَعْقَبَهُ الْعَذَابُ بِالْغَرَقِ.
وإِذْ اسْمٌ لِلزَّمَنِ الْمَاضِي. وَهُوَ هُنَا بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ نَبَأَ أَوْ مِنْ نُوحٍ. وَفِي ذِكْرِ قِصَّةِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَا بَعْدَهَا تَفْصِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ إِجْمَالُهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ [يُونُس: ١٣] .
وَضَمِيرُ عَلَيْهِمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [يُونُس: ٦٩] .
وَالتِّلَاوَةُ: الْقِرَاءَةُ. وَتَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ.
وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute