وَالتَّعْرِيفُ بِنُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَتَارِيخِهِ مَضَى فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ.
وَتَعْرِيفُ قَوْمِ نُوحٍ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ نُوحٍ فِي قَوْلِهِ: إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ طَرِيقٍ لِتَعْرِيفِهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ إِذْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْأُمَّةِ اسْمٌ تُعْرَفُ بِهِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً وَاحِدَةً فِي الْأَرْضِ فَلَمْ يَحْصُلْ دَاعٍ إِلَى تَسْمِيَتِهِمْ بِاسْمِ جَدٍّ أَوْ أَرْضٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَا يَدْعُو إِلَى تَمْيِيزِهِمْ إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ غَيْرُهُمْ، أَلَا تَرَى إِلَى حِكَايَةِ اللَّهِ عَنْ هُودٍ فِي قَوْلِهِ لِقَوْمِهِ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الْأَعْرَاف: ٦٩] ، وَلَمَّا حَكَى عَنْ صَالِحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ:
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ [الْأَعْرَاف: ٧٤] .
وَظَرْفُ إِذْ وَمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ نَبَأَ نُوحٍ.
وَافْتِتَاحُ خِطَابِ نُوحٍ قَوْمَهُ بِ يَا قَوْمِ إيذان بأهيمة مَا سَيُلْقِيهِ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّ النِّدَاءَ طَلَبُ الْإِقْبَالِ. وَلَمَّا كَانَ هُنَا لَيْسَ لِطَلَبِ إِقْبَالِ قَوْمِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَا ابْتَدَأَ خِطَابَهُمْ إِلَّا فِي مَجْمَعِهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّ النِّدَاءَ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي طَلَبِ الْإِقْبَالِ الْمَجَازِيِّ، وَهُوَ تَوْجِيهُ أَذْهَانِهِمْ إِلَى فَهْمِ مَا سَيَقُولُهُ.
وَاخْتِيَارُ التَّعْبِيرِ عَنْهُمْ بِوَصْفِ كَوْنِهِمْ قَوْمَهُ تَحْبِيبٌ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ لِيَأْخُذُوا قَوْلَهُ مَأْخَذَ قَوْلِ النَّاصِحِ الْمُتَطَلِّبِ الْخَيْرَ لَهُمْ، لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُرِيدُ لِقَوْمِهِ إِلَّا خَيْرًا. وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْمُنَادَى الْمُضَافِ إِلَيْهَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَشْهُورِ فِي نِدَاءِ الْمُضَافِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَمَعْنَى: إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي شَقَّ عَلَيْكُمْ وَأَحْرَجَكُمْ.
وَالْكِبَرُ: وَفْرَةُ حَجْمِ الْجِسْمِ بِالنِّسْبَةِ لِأَمْثَالِهِ مِنْ أَجْسَامِ نَوْعِهِ، وَيُسْتَعَارُ الْكِبَرُ لِكَوْنِ
وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الذَّوَاتِ أَوِ الْمَعَانِي أَقْوَى فِيهِ مِنْهُ فِي أَمْثَالِهِ مِنْ نَوْعِهِ، فَقَدْ يَكُونُ مَدْحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [الْبَقَرَة: ٤٥] ، وَيَكُونُ ذَمًّا كَقَوْلِهِ: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ [الْكَهْف: ٥] ، وَيُسْتَعَارُ الْكِبَرُ لِلْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى: ١٣] وَقَوْلِهِ: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ [الْأَنْعَام: ٣٥] وَكَذَلِكَ هُنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute