وَ (شُرَكاءَكُمْ) مَنْصُوبٌ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ. وَالْوَاوُ بِمَعْنَى (مَعَ) أَيْ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَمَعَكُمْ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ تَسْتَنْصِرُونَ بِهِمْ.
وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَشُرَكاؤُكُمْ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ فَأَجْمِعُوا، وَسَوَّغَهُ الْفَصْلُ بَيْنَ الضَّمِيرِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْمَفْعُولِ. وَالْمَعْنَى: وَلْيَجْمَعْ شُرَكَاؤُكُمْ أَمْرَهُمْ.
وَصِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: فَأَجْمِعُوا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّسْوِيَةِ، أَيْ إِنَّ عَزْمَهُمْ لَا يَضِيرُهُ
بِحَيْثُ هُوَ يُغْرِيهِمْ بِأَخْذِ الْأُهْبَةِ التَّامَّةِ لِمُقَاوَمَتِهِ. وَزَادَ ذِكْرُ شُرَكَائِهِمْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْشَاهَا لِأَنَّهَا فِي اعْتِقَادِهِمْ أَشَدُّ بَطْشًا مِنَ الْقَوْمِ، وَذَلِكَ تَهَكُّمٌ بِهِمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ [الْأَعْرَاف: ١٩٥] .
وَعَطْفُ جُمْلَةِ: ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ب ثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ لِمَا تَتَضَمَّنُهُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ التَّرَقِّي فِي قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِمَا يُهَيِّئُونَهُ لَهُ مِنَ الضُّرِّ بِحَيْثُ يَتَصَدَّى لَهُمْ تَصَدِّي الْمُشِيرِ بِمَا يُسَهِّلُ لَهُمُ الْبُلُوغَ إِلَى الْإِضْرَارِ بِهِ الَّذِي يَنْوُونَهُ وَإِزَالَةَ الْعَوَائِقِ الْحَائِلَةِ دُونَ مَقْصِدِهِمْ. وَجَاءَ بِمَا ظَاهِرُهُ نَهْيُ أَمْرِهِمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ غُمَّةً عَلَيْهِمْ مُبَالَغَةً فِي نَهْيِهِمْ عَنِ التَّرَدُّدِ فِي تَبَيُّنِ الْوُصُولِ إِلَى قَصْدِهِمْ حَتَّى كَأَنَّ شَأْنَهُمْ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ الْتِبَاسًا عَلَيْهِمْ، أَيِ اجْتَهِدُوا فِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ.
وَالْغُمَّةُ: اسْمُ مَصْدَرٍ لِلْغَمِّ. وَهُوَ السِّتْرُ. وَالْمُرَادُ بِهَا فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ السِّتْرُ الْمَجَازِيُّ، وَهُوَ انْبِهَامُ الْحَالِ، وَعَدَمُ تَبَيُّنِ السَّدَادِ فِيهِ، وَلَعَلَّ هَذَا التَّرْكِيبَ جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ فَقَدْ قَالَ طَرَفَةُ مِنْ قَبْلُ:
لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ ... نَهَارِي وَلَا لَيْلِي عَلَيَّ بِسَرْمَدِ
وَإِظْهَارُ لَفْظِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً مَعَ أَنَّهُ عَيْنُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ لِكَوْنِ هَذَا التَّرْكِيبِ مِمَّا جَرَى مَجْرَى الْمَثَلِ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا تُغَيَّرَ أَلْفَاظُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute