وَ (آيَاتِ اللَّهِ) : دَلَائِلُ فَضْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَدَلَائِلُ وَحْدَانِيَّتِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ فَقَدْ نَسُوا
تِلْكَ الدَّلَائِلَ، فَكَانَ يُذَكِّرُهُمْ بِهَا، وَذَلِكَ يُبْرِمُهُمْ وَيُحْرِجُهُمْ.
وَجُمْلَةُ: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ جَوَابُ شَرْطِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ تَضَمَّنَ أَنَّ إِنْكَارَهُ عَلَيْهِمْ قَدْ بَلَغَ مِنْ نُفُوسِهِمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَمْلِهِ، وَأَنَّهُمْ مُتَهَيِّئُونَ لِمُدَافَعَتِهِ فَأَنْبَأَهُمْ أَنَّ احْتِمَالَ صُدُورِ الدِّفَاعِ مِنْهُمْ، وَهُمْ فِي كَثْرَةٍ وَمَنَعَةٍ وَهُوَ فِي قِلَّةٍ وَضَعْفٍ، لَا يَصُدُّهُ عَنِ اسْتِمْرَارِ الدَّعْوَةِ، وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَحِيدًا فَذَلِكَ يُوهِنُهُ لِأَنَّهُ مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ. وَلِأَجْلِ هَذَا قُدِّمَ الْمَجْرُورُ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ أَيْ لَا عَلَى غَيْرِهِ.
وَالتَّوَكُّلُ: التَّعْوِيلُ عَلَى مَنْ يُدَبِّرُ أَمْرَهُ. وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٩] .
وَالْفَاءُ فِي فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ لِلتَّفْرِيعِ على جملَة فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَلِلْجُمْلَةِ الْمُفَرَّعَةِ حُكْمُ جَوَابِ الشَّرْطِ لِأَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الْجَوَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْلَا قَصْدُهُ الْمُبَادَرَةَ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ بِمُنَاوَأَتِهِمْ لَكَانَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي إِلَخْ، فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَإِنِّي عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ، كَمَا قَالَ هُودٌ لِقَوْمِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ [هود: ٥٥، ٥٦] .
وَإِجْمَاعُ الْأَمْرِ: الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدَ التَّرَدُّدِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَفِعْلٍ ضِدَّهُ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّفْرِيقِ، لِأَنَّ الْمُتَرَدِّدَ فِي مَاذَا يَعْمَلُهُ تَكُونُ عِنْدَهُ أَشْيَاءُ مُتَفَرِّقَةٌ فَهُوَ يَتَدَبَّرُ وَيَتَأَمَّلُ فَإِذَا اسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَقَدْ جَمَعَ مَا كَانَ مُتَفَرِّقًا. فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْجَعْلِ، أَيْ جَعَلَ أَمْرَهُ جَمْعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَفَرقًا.
وَيَقُولُونَ: جاؤوا وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ، أَيْ مَجْمُوعٌ غَيْرُ مُتَفَرِّقٍ بِوُجُوهِ الِاخْتِلَافِ.
وَالْأَمْرُ: هُوَ شَأْنُهُمْ مِنْ قَصْدِ دَفْعِهِ وَأَذَاهُ وَتَرَدُّدِهِمْ فِي وُجُوهِ ذَلِكَ وَوَسَائِلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute