للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَقْصُودُ الْإِفْضَاءُ إِلَى أَنَّهُمْ صَمَّمُوا عَلَى الْإِعْرَاضِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ تَمْثِيلِ أَعْمَالِهِمْ بِحَالِ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ.

وَفِعْلُ آمَنَ أَصْلُهُ (أَأْمَنَ) بِهَمْزَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَصْلِيَّةٌ فِي الْكَلِمَةِ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْأَمَانَةِ، وَالثَّانِيَةُ هَمْزَةٌ مَزِيدَةٌ لِلتَّعْدِيَةِ، أَيْ جَعَلَهُ ذَا أَمَانَةٍ، أَيْ غَيْرَ كَاذِبٍ فَصَارَ فِعْلُ آمَنَ بِمَعْنَى صَدَّقَ، وَحَقُّهُ أَنْ يُعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ عُدِّيَ بِاللَّامِ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ (آمَنَ) بِمَعْنَى صَدَّقَ مِنَ الْأَمَانَةِ وَبَيْنَ (آمَنَ) بِمَعْنَى جَعَلَهُ فِي أَمْنٍ، أَيْ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ مِنْهُ.

وَهَذِهِ اللَّامُ سَمَّاهَا ابْنُ مَالِكٍ لَامَ التَّبْيِينِ وَتَبِعَهُ ابْنُ هِشَامٍ، وَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَفْعُولِ لِتَقْوِيَةِ مَعْنَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَيُؤَكِّدُ قَصْدَ التَّقْوِيَةِ فِي مِثْلِ فِعْلِ (آمَنَ) بِمَعْنَى صَدَّقَ دَفْعَ أَنْ يَلْتَبِسَ بِفِعْلِ (آمَنَهُ) إِذَا جَعَلَهُ فِي أَمْنٍ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٩٠] .

وَقَدْ يُعَدَّى بِالْبَاءِ لِتُضَمُّنِهِ مَعْنَى صَدَّقَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ [يُونُس: ٩٠] .

وَالذُّرِّيَّةُ: الْأَبْنَاءُ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٣٤] . أَيْ فَمَا آمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى إِلَّا أَبْنَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَبْلُغْ دَعْوَتُهُ بَقِيَّةَ قَوْمِهِ أَوْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِم حِينَئِذٍ.

و (على) فِي قَوْلِهِ: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ بِمَعْنَى (مَعَ) مِثْلُ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ أَيْ آمَنُوا مَعَ خَوْفِهِمْ، وَهِيَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ (ذُرِّيَّةِ) ، أَيْ فِي حَالِ خَوْفِهِمِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْهُمْ. وَهَذَا ثَنَاءٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا وَلَمْ يَصُدَّهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ خَوْفُهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ آمَنُوا عِنْدَ ظُهُورِ مُعْجِزَتِهِ، أَيْ أَعْلَنُوا الْإِيمَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُعَرَفُ إِلَّا بِإِظْهَارِهِ وَلَا فَائِدَةَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ الْإِظْهَارُ. أَيْ مِنَ الْحَاضِرِينَ