(الْآن) اسْمُ ظَرْفٍ لِلزَّمَانِ الْحَاضِرِ ... وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٦٦] .
وَجُمْلَةُ: وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ مَعْمُولِ (تُؤَمِنُ) الْمَحْذُوف، وَهِي موكدة لِمَا فِي الِاسْتِفْهَامِ مِنْ مَعْنَى الْإِنْكَارِ، فَإِنَّ إِيمَانَهُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ مُنْكَرٌ، وَيَزِيدُهُ إِنْكَارًا أَنَّ صَاحِبَهُ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ وَمُفْسِدًا لِلدِّينِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَمُفْسِدًا فِي الْأَرْضِ بِالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالتَّمْوِيهِ بِالسِّحْرِ.
وَصِيغَةُ: كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ بِالْإِفْسَادِ مِنْ: وَكُنْتَ مُفْسِدًا، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَبِمِقْدَارِ مَا قَدَّمَهُ مِنَ الْآثَامِ وَالْفَسَادِ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ الْعَذَابُ.
وَالْفَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ فَاءُ الْفَصِيحَةِ، تُفْصِحُ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ فِي الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. وَالْمَعْنَى: فَإِنْ رُمْتَ بِإِيمَانِكَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهِ أَنْ أُنْجِيَكَ مِنَ الْغَرَقِ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ، وَالْكَلَامُ جَارٍ مَجْرَى التَّهَكُّمِ، فَإِطْلَاقُ الْإِنْجَاءِ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الْبَحْرِ
اسْتِعَارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ.
وَلَيْسَ مُسَوِّغُهَا التَّهَكُّمَ الْمَحْضَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي نَوْعِهَا، بَلْ فِيهَا عَلَاقَةُ الْمُشَابِهَةِ، لِأَنَّ إِخْرَاجَهُ إِلَى الْبَرِّ كَامِلًا بِشَكَّتِهِ يُشْبِهُ الْإِنْجَاءَ، وَلَكِنَّهُ ضِدُّ الْإِنْجَاءِ، فَكَانَ بِالْمُشَابِهَةِ، اسْتِعَارَةً، وَبِالضِّدْيَةِ تَهَكُّمًا، وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ: بِبَدَنِكَ حَالٌ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْبَاءَ مِنْ قَوْلِهِ: بِبَدَنِكَ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ تَأْكِيدِ آيَةِ إِنْجَاءِ الْجَسَدِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (بَدَنِكَ) فِي مَعْنَى الْبَدَلِ الْمُطَابِقِ مِنَ الْكَافِ فِي نُنَجِّيكَ كَزِيَادَةِ الْبَاءِ فِي قَوْلِ الْحَرِيرِيِّ: «فَإِذَا هُوَ أَبُو زَيْدٍ بِعَيْنِهِ وَمَيْنِهِ» .
وَالْبَدَنُ: الْجِسْمُ بِدُونِ رُوحٍ وَهَذَا احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يُظَنَّ الْمُرَادُ الْإِنْجَاءَ مِنَ الْغَرَقِ.
وَالْمَعْنَى: نُنْجِيكَ وَأَنْتَ جِسْمٌ. كَمَا يُقَالُ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جُثَّةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ الِاقْتِصَارَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَمَا كَانَ دَاعٍ لِلْبَلِيغِ أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ الْقَيْدَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute