للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنَّ كُلَّ زِيَادَة فِي كَلَام الْبَلِيغِ يُقْصَدُ مِنْهَا مَعْنًى زَائِدٌ، وَإِلَّا لَكَانَتْ حَشْوًا فِي الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ الْبَلِيغُ مَوْزُونٌ، وَلُغَةُ الْعَرَبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَسَاسِ الْإِيجَازِ.

ولِمَنْ خَلْفَكَ أَيْ مَنْ وَرَاءَكَ. وَالْوَرَاءُ: هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمُتَأَخِّرِ وَالْبَاقِي، أَيْ مَنْ لَيْسُوا مَعَكَ. وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَخْلُفُهُ مِنَ الْفَرَاعِنَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْكَهَنَةِ وَالْوُزَرَاءِ، أَيْ لِتَكُونَ ذَاتُهُ آيَةً عَلَى أَنَّ اللَّهَ غَالِبُ مَنْ أَشْرَكُوا بِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ وَأَقْهَرُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَآلِهَتِهِ فِي اعْتِقَادِ الْقِبْطِ، إِذْ يَرَوْنَ فِرْعَوْنَ الْإِلَهَ عِنْدَهُمْ طريحا على شاطيء الْبَحْرِ غَرِيقًا.

فَتِلْكَ مِيتَةٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ مَعَهَا الدَّجَلَ بِأَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُتَابِعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ التَّكَاذِيبِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَا يُغْلَبُ، وَأَنَّ الْفَرَاعِنَةَ حِينَ يَمُوتُونَ إِنَّمَا يُنْقَلُونَ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ. وَلِذَلِكَ كَانُوا يُمَوِّهُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَبْنُونَ لَهُ الْبُيُوتَ فِي الْأَهْرَامِ وَيُودِعُونَ بِهَا لِبَاسَهُ وَطَعَامَهُ وَرِيَاشَهُ وَأَنْفَسَ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ، فَمَوْتُهُ بِالْغَرَقِ وَهُوَ يَتَّبِعُ أَعْدَاءَهُ ميتَة لَا تووّل بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ جُعِلَ كَوْنُهُ آيَةً لِمَنْ خَلْفَهُ عِلَّةً لِإِخْرَاجِهِ مِنْ غَمْرَةِ الْمَاءِ مَيِّتًا كَامِلًا، فَهُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ غَرِقَ إِذَا نَظَرُوا فِي تِلْكَ الْآيَةِ.

وَلَمْ يَعْدِمْ فِرْعَوْنُ فَائِدَةً مِنْ إِيمَانِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ بِحِكْمَتِهِ قَدَّرَ لَهُ الْخُرُوجَ مِنْ غَمَرَاتِ الْمَاءِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَاءِ أَكْلَةً لِلْحِيتَانِ وَلَكِنْ لَفَظَتْهُ الْأَمْوَاجُ، وَتِلْكَ حَالَةٌ أَقَلُّ خِزْيًا مِنْ حَالَاتِ سَائِرِ جَيْشِهِ بِهَا ظَهَرَ نَفْعُ مَا لَهُ بِمَا حَصَلَ لِنَفْسِهِ مِنَ الْإِيمَانِ فِي آخِرِ أَحْوَالِهِ.

وَكَلِمَةُ فَالْيَوْمَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى (الْآنَ) لِأَنَّ اسْمَ الْيَوْمِ أُطْلِقَ عَلَى جُزْءٍ مِنْ زَمَنِ الْحَالِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ.

وَجُمْلَةُ: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ تَذْيِيلٌ لِمَوْعِظَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ، أَوْ وَاوُ الْحَالِ.