وَجُمْلَةُ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ خبر فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ.
وَضَمِيرُ (بِهِ) عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْمَقَامِ أَوْ مِنْ تَقَدُّمِ ضَمِيرِهِ فِي قَوْلِهِ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [هود: ١٣] .
وَبِهِ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ مَعَ قَوْلِهِ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ إِلَى قَوْلِهِ: فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود: ١٣، ١٤] أَيْ يُؤْمِنُونَ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ، فَتَعْدِيَةُ فِعْلِ (يُؤْمِنُونَ) إِلَى ضَمِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى الْأَعْيَانِ وَإِرَادَةِ أَوْصَافِهَا مِثْلُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاء: ٢٣] ، أَيْ يُؤْمِنُونَ بِمَا وُصِفَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَحَاصِلُ مَعْنَى الْآيَةِ وَارْتِبَاطِهَا بِمَا قَبْلَهَا فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [هود: ١٤] فَإِنَّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُؤَيَّدَةٍ بِشَاهِدٍ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَعْضُودَةٍ بِكِتَابِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ قَبْلِ بَيِّنَتِهِمْ.
وَقَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الْأَحْقَاف: ١٠] فَاسْتَقَامَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ تَمَامُ الِاسْتِقَامَةِ، وَأَنْتَ لَا يَعُوزُكَ تَرْكِيبُ الْوُجُوهِ الَّتِي تَأَوَّلَ بِهَا الْمُفَسِّرُونَ مِمَّا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا فَبَصَرُكَ فِيهَا حَدِيدٌ، وَبِيَدِكَ لِفَتْحِ مَغَالِقِهَا مَقَالِيدٌ.
وَجُمْلَةُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَرَّضَ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [هود: ١٤] ، وَأَرَاهُمُ الْقُدْوَةَ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، عَادَ فَحَذَّرَ مِنَ الْكُفْرِ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ بَيِّنَةِ رَبِّهِ وَشَوَاهِدِ رُسُلِهِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ.
وَالْأَحْزَابُ: هُمْ جَمَاعَاتُ الْأُمَمِ الَّذِينَ يَجْمَعُهُمْ أَمْرٌ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَالْمُشْرِكُونَ حِزْبٌ، وَالْيَهُودُ حِزْبٌ، وَالنَّصَارَى حِزْبٌ، قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute