للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِنْسَانِ فَيُطْلَقُ كَمَا يُطْلَقُ الْإِنْسَانُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ، وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ. وَقَدْ يُثَنَّى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٧] .

وَقَالُوا: وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا فَجَعَلُوا أَتْبَاعَ النَّاسِ الْمَعْدُودِينَ فِي عَادَتِهِمْ أَرَاذِلَ مَحْقُورِينَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَا مَيْزَةَ لَهُ عَلَى سَادَتِهِمُ الَّذِينَ يَلُوذُ بِهِمْ أَشْرَافُ الْقَوْمِ وَأَقْوِيَاؤُهُمْ. فَنَفَوْا عَنْهُ سَبَبَ السِّيَادَةِ مِنْ جِهَتَيْ ذَاتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَهُ لِأَنَّهُمْ يَتَرَفَّعُونَ عَنْ مُخَالَطَةِ أَمْثَالِهِمْ وَأَنَّهُ لَوْ أَبْعَدَهُمْ عَنْهُ لَاتَّبَعُوهُ، وَلِذَلِكَ وَرَدَ بَعْدَهُ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود: ٢٩] الْآيَة.

والأرذال: جَمْعُ أَرْذَلَ الْمَجْعُولِ اسْمًا غَيْرَ صِفَةٍ كَذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ، أَوْ جَمْعُ رَذِيلٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَالرَّذِيلُ: الْمُحْتَقَرُ. وَأَرَادُوا أَنَّهُمْ مِنْ لَفِيفِ الْقَوْمِ غَيْرُ سَادَةٍ وَلَا أَثْرِيَاءَ. وَإِضَافَةُ (أَرَاذِلُ) إِلَى ضَمِيرِ جَمَاعَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِتَعْيِينِ الْقَبِيلَةِ، أَيْ أَرَاذِلُ قَوْمِنَا. وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: إِلَّا أَرَاذِلُنَا لِحِكَايَةِ أَنَّ فِي كَلَامِ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَاءً إِلَى شُهْرَةِ أَتْبَاعِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَيْنَ قَوْمِهِمْ بِوَصْفِ الرَّذَالَةِ وَالْحَقَارَةِ، وَكَانَ أَتْبَاعُ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ ضُعَفَاءِ الْقَوْمِ وَلَكِنَّهُمْ مِنْ أَزْكِيَاءِ النُّفُوسِ مِمَّنْ سَبَقَ لَهُمُ الْهُدَى.

وبادِيَ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ فِي آخِرِهِ- عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ بَدَا الْمَقْصُورِ إِذَا ظَهَرَ، وَأَلِفُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ لَمَّا تَحَرَّكَتْ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، فَلَمَّا صِيغَ مِنْهُ وَزْنُ فَاعِلٍ وَقَعَتِ الْوَاوُ مُتَطَرِّفَةً إِثْرَ كَسْرَةٍ فَقُلِبَتْ يَاءً. وَالْمَعْنَى فِيمَا يَبْدُو لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ دُونَ بَحْثٍ عَنْ خَفَايَاهُ وَدَقَائِقِهِ.

وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحْدَهُ- بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ- عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَدَاءِ، وَهُوَ أَوَّلُ الشَّيْءِ.

وَالْمَعْنَى: فِيمَا يَقَعُ أَوَّلَ الرَّأْيِ، أَيْ دُونَ إِعَادَةِ النَّظَرِ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ التَّمْوِيهِ، وَمَآلُ الْمَعْنَيَيْنِ وَاحِدٌ.

وَالرَّأْيُ: نَظَرُ الْعَقْلِ، مُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِ رَأَى، كَمَا اسْتُعْمِلَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ وَعَلِمَ.