للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْنُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ غَرَّتْهُمْ دَعْوَتُكَ فَتَسَرَّعُوا إِلَى مُتَابَعَتِكَ وَلَوْ أَعَادُوا النَّظَرَ وَالتَّأَمُّلَ لَعَلِمُوا أَنَّكَ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ تتبع.

وانتصاب بادِيَ الرَّأْيِ بِالنِّيَابَةِ عَنِ الظَّرْفِ، أَيْ فِي وَقْتِ الرَّأْيِ دُونَ بَحْثٍ عَنْ خَفِيِّهِ، أَوْ فِي الرَّأْيِ الْأَوَّلِ دُونَ إِعَادَةِ نظر.

وَإِضَافَة بادِيَ إِلَى الرَّأْيِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِمْ: لَا يَلْبَثُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مُتَّبِعِيكَ رُشْدُهُمْ فَيُعِيدُوا التَّأَمُّلَ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَيُكْشَفَ لَهُمْ خَطَؤُهُمْ.

وَلَمَّا وَصَفُوا كُلَّ فَرِيقٍ مِنَ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ بِمَا يَنْفِي سِيَادَةَ الْمَتْبُوعِ وَتَزْكِيَةَ التَّابِعِ جَمَعُوا الْوَصْفَ الشَّامِلَ لَهُمَا. وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْوَصْفَيْنِ الْمُفَرِّقَيْنِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَنَفَوْا أَنْ يَكُونَ لِنُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَأَتْبَاعِهِ فَضْلٌ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ حَتَّى يَكُونَ نُوحٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- سَيِّدًا لَهُمْ وَيَكُونُ أَتْبَاعُهُ مُفَضَّلَيْنِ بِسِيَادَةِ مَتْبُوعِهِمْ.

وَالْفَضْلُ: الزِّيَادَةُ فِي الشَّرَفِ وَالْكَمَالِ، وَالْمُرَادُ هُنَا آثَارُهُ وَعَلَامَاتُهُ لِأَنَّهَا الَّتِي تُرَى، فَجَعَلُوا عَدَمَ ظُهُورِ فَضْلٍ لَهُمْ عَلَيْهِمْ دَلِيلًا عَلَى انْتِفَاءِ فَضْلِهِمْ، لِأَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا تَخْفَى آثَارُهُ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ انْتِفَاءُ رُؤْيَتِهَا دَلِيلًا عَلَى انْتِفَائِهَا إِذْ لَوْ ثَبَتَتْ لَرُئِيَتْ.

وَجُمْلَةُ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ إِبْطَالٌ لِلْمَنْفِيِّ كُلِّهِ الدَّالِّ عَلَى صِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ بِإِثْبَاتِ ضِدِّ الْمَنْفِيِّ، وَهُوَ ظَنُّهُمْ إِيَّاهُمْ كَاذِبِينَ لِأَنَّهُ إِذَا بَطَلَ الشَّيْءُ ثَبَتَ ضِدَّهُ، فَزَعَمُوا نُوحًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَاذِبًا فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ وَأَتْبَاعَهُ كَاذِبِينَ فِي دَعْوَى حُصُولِ الْيَقِينِ بِصِدْقِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، بَلْ ذَلِكَ مِنْهُمُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ، وَهَذَا الظَّنُّ الَّذِي زَعَمُوهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى الدَّلِيلِ الْمَحْسُوسِ فِي اعْتِقَادِهِمْ.

وَاسْتُعْمَلَ الظَّنُّ هُنَا فِي الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٤٦] وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي الْكَلَام.