للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمَّا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ فَقَدْ أَبْرَزَهَا. وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَسْمِ لِأَنَّهُ سِمَةٌ عَلَى الْمَدْلُولِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّمُوِّ وَأَنَّ وَزْنَهُ سِمْوٌ- بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ- لِأَنَّهُمْ جَمَعُوهُ عَلَى أَسْمَاءٍ وَلَوْلَا أَنَّ أَصْلَهُ سِمْوٌ لَمَا كَانَ وَجْهٌ لِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهَا مُبْدَلَةٌ عَنِ الْوَاوِ فِي الطَّرَفِ إِثْرَ أَلْفٍ زَائِدَةٍ وَلَكَانُوا جَمَعُوهُ عَلَى أَوْسَامٍ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي عُلِّمَهَا آدَمُ هِيَ أَلْفَاظٌ تَدُلُّ عَلَى ذَوَاتِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَحْتَاجُ نَوْعُ الْإِنْسَانِ إِلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا لِحَاجَتِهِ إِلَى نِدَائِهَا، أَوِ اسْتِحْضَارِهَا، أَوْ إِفَادَةِ حُصُولِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، وَهِيَ أَيِ الْإِفَادَةُ مَا نُسَمِّيهِ الْيَوْمَ بِالْأَخْبَارِ أَوِ التَّوْصِيفِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ ابْتِدَاءً أَسْمَاءُ الذَّوَاتِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مِثْلَ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَجَرِ وَالْكَوَاكِبِ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ نَظَرُ الْإِنْسَانِ ابْتِدَاءً مِثْلَ اسْمِ جَنَّةٍ، وَمَلَكٍ، وَآدَمَ، وَحَوَّاءَ، وَإِبْلِيسَ، وَشَجَرَةٍ وَثَمَرَةٍ، وَنَجِدُ ذَلِكَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ الْبَشَرِيَّةِ الْأُولَى وَلِذَلِكَ نُرَجِّحُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا عُلِّمَهُ آدَمُ ابْتِدَاءً شَيْءٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَعَانِي وَالْأَحْدَاثِ ثُمَّ طَرَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ حُصُولِ حَدَثٍ أَوْ أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ لِذَاتٍ، قَرَنَ بَيْنَ اسْمِ الذَّاتِ وَاسْمِ الْحَدَثِ نَحْوُ مَاءِ بَرْدٍ أَيْ مَاءٍ بَارِدٍ ثُمَّ طَرَأَ وَضْعُ الْأَفْعَالِ وَالْأَوْصَافِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَاءُ بَارِدٌ أَوْ بَرَدَ الْمَاءُ، وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنَّ أَصْلَ الِاشْتِقَاقِ هُوَ الْمُصَادَرُ لَا الْأَفْعَالُ لِأَنَّ الْمَصَادِرَ صِنْفٌ دَقِيقٌ مِنْ نَوْعِ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ دَلَّنَا عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ عَرَضَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي.

وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْأَسْمَاءِ) تَعْرِيفٌ الْجِنْسِ أُرِيدَ مِنْهُ الِاسْتِغْرَاقُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ عَلَّمَهُ جَمِيعَ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْرُوفَةِ يَوْمَئِذٍ فِي ذَلِكَ الْعَالَمِ فَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عرفي مثل جممع الْأَمِيرُ الصَّاغَةَ أَيْ صَاغَةَ أَرْضِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي تَظْهَرُ بِهِ الْفَضِيلَةُ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَلِيقُ تَعْلِيمُهُ بِالْحِكْمَةِ وَقُدْرَةُ اللَّهِ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ.

وَتَعْرِيفُ الْأَسْمَاءِ يُفِيدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَ آدَمَ كُلَّ اسْمٍ مَا هُوَ مُسَمَّاهُ وَمَدْلُولُهُ، وَالْإِتْيَانُ بِالْجَمْعِ هُنَا مُتَعَيَّنٌ إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَّمَ آدَمَ الِاسْمَ، وَمَا شَاعَ مِنْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ مِنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ فِي الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرِّرٍ، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ السَّكَّاكِيِّ وَسَنُحَقِّقُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ [الْبَقَرَة: ١٧٧] فِي هَذَا السُّورَةِ.

وكُلَّها تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْهُ الْعَهْدُ فَلَمْ تَزِدْ كَلِمَةُ كُلَّ الْعُمُومَ

شُمُولًا وَلَكِنَّهَا دَفَعَتْ عَنْهُ الِاحْتِمَالَ. (وكل) اسْمٌ دَالٌّ عَلَى الشُّمُولِ وَالْإِحَاطَةِ فِيمَا أُضِيفَ