للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَزَادَتْ تَقْرِيرَ التَّعَجُّبِ بِجُمْلَةِ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِصِيغَةِ التَّعَجُّبِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِكَمَالِ الِاتِّصَالِ، وَكَأَنَّهَا كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً فِي أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ فَلَمْ تَطْمَئِنَّ لِتَحْقِيقِ بُشْرَاهُمْ.

وَجُمْلَةُ هَذَا بَعْلِي مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى هَذَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ بَعْلِي، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَهُوَ كَمَا تَرَى. وَانْتَصَبَ شَيْخاً عَلَى الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ مُبَيِّنَةً لِلْمَقْصُودِ مِنَ الْإِشَارَةِ.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ- بِرَفْعِ شَيْخٍ- عَلَى أَنَّ (بَعْلِي) بَيَانٌ مِنْ (هَذَا) وَ (شَيْخٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ. وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ.

وَقَدْ جَرَتْ عَلَى هَذِه الْقِرَاءَة النادرة لَطِيفَةٌ وَهِيَ: مَا أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْجَلِيل سَالم أَبُو حَاجِبٍ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدَ دُعِيَ عِنْدَ بَعْضِ الْأَعْيَانِ فِي بَغْدَادَ إِلَى مَأْدُبَةٍ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الطَّعَامِ غَنَّتْ مِنْ وَرَاءِ السِّتَارِ جَارِيَةٌ لِرَبِّ الْمَنْزِلِ بِبَيْتَيْنِ:

وَقَالُوا لَهَا هَذَا حَبِيبُكِ مُعْرِضٌ ... فَقَالَتْ: أَلَا إِعْرَاضُهُ أَهْوَنُ الْخَطْبِ

فَمَا هِيَ إِلَّا نَظْرَةٌ وَابْتِسَامَةٌ ... فَتَصْطَكُّ رِجْلَاهُ وَيَسْقُطُ لِلْجَنْبِ

فَطَرِبَ كُلُّ مَنْ بِالْمَجْلِسِ إِلَّا أَبَا الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدَ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ، فَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ: مَا لَكَ لَمْ يُطْرِبْكَ هَذَا؟.

فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: مَعْذُورٌ يَحْسَبُنِي لَحَنْتُ فِي أَنْ قُلْتُ: مُعْرِضٌ- بِالرَّفْعِ- وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ «وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ» فَطَرِبَ الْمُبَرِّدُ لِهَذَا الْجَوَابِ (١) .

وَجَوَابُ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهَا بِجُمْلَةِ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنْكَارٌ لِتَعَجُّبِهَا لِأَنَّهُ تَعَجُّبٌ مُرَادٌ مِنْهُ الِاسْتِبْعَادُ. وأَمْرِ اللَّهِ هُوَ أَمْرُ التَّكْوِينِ، أَيْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ


(١) رَأَيْت هَذِه النادرة فِي الْبَاب الثَّانِي من كتاب «الْكِنَايَات» لأبي الْعَبَّاس الْجِرْجَانِيّ طبع السَّعَادَة بِالْقَاهِرَةِ سنة ١٣٢٦ واحسبها دخيلة فِيهِ.