وَ (إِلَّا امْرَأَتَكَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَهْلِكَ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ اعْتِبَارًا بِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْ أَهْلِكَ وَذَلِكَ كَلَامٌ مُوجَبٌ، وَالْمَعْنَى: لَا تَسْرِ بِهَا، أُرِيدَ أَنْ لَا يُعْلِمَهَا بِخُرُوجِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُخْلِصَةً لِقَوْمِهَا فَتُخْبِرُهُمْ عَنْ زَوْجِهَا. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو- بِرَفْعِ- امْرَأَتَكَ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحَدٌ الْوَاقِعِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ. قِيلَ: إِنَّ امْرَأَتَهُ خَرَجَتْ مَعَهُمْ ثُمَّ الْتَفَتَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَحَنَّتْ إِلَى قَوْمِهَا فَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنِ الِالْتِفَاتِ فَامْتَثَلُوا وَلَمْ تَمْتَثِلِ امْرَأَتُهُ لِلنَّهْيِ فَالْتَفَتَتْ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ النَّهْيُ. وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَّا امْرَأَتَكَ
تَلْتَفِتُ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُ مُصِيبُها مَا أَصابَهُمْ اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُقَدَّرِ.
وَفِي قَوْلِهِ: مَا أَصابَهُمْ اسْتِعْمَالُ فِعْلِ الْمُضِيِّ فِي مَعْنَى الْحَالِ، وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: مَا يُصِيبُهُمْ، فاستعمال فعل المضيء لِتَقْرِيبِ زَمَنِ الْمَاضِي مِنَ الْحَالِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] الْآيَةَ، أَوْ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] .
وَجُمْلَةُ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ مُسْتَأْنَفَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ قُطِعَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا اهْتِمَامًا وَتَهْوِيلًا.
وَالْمَوْعِدُ: وَقْتُ الْوَعْدِ. وَالْوَعْدُ أَعَمُّ مِنَ الْوَعِيدِ فَيُطْلَقُ عَلَى تَعْيِينِ الشَّرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَوْعِدِ هُنَا مَوْعِدُ الْعَذَاب الَّذِي عمله لُوطٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِمَّا بِوَحْيٍ سَابِقٍ، وَإِمَّا بِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَإِمَّا بِإِخْبَارٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ طَوَتْهُ الْآيَةُ هُنَا إِيجَازًا، وَبِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ صَحَّ تَعْرِيفُ الْوَعْدِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِهِمْ.
وَجُمْلَةُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ صَدَرَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جَوَابًا عَن سُؤال بِجَيْش فِي نَفْسِهِ مِنِ اسْتِبْطَاءِ نُزُولِ الْعَذَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute