للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِخْفَاءِ بَعْضٍ مِثْلَ حُكْمِ الرَّجْمِ، وَفِي تَأْوِيلِ الْبَعْضِ عَلَى هَوَاهُمْ، وَفِي إِلْحَاقِ أَشْيَاءَ بِالْكِتَابِ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الْبَقَرَة: ٧٩] .

فَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ لَا مِنْ جَمِيعِهِمْ فَيَقْتَضِي الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ بَيْنَ مُثْبِتٍ وَنَافٍ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بِأَنْوَاعِهِ وَأَحْوَالِهِ يَرْجِعُ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ.

فَجُمِعَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي جَمْعًا بَدِيعًا فِي تَعْدِيَةِ الِاخْتِلَافِ بِحَرْفِ (فِي) الدَّالَّةِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ كَالْمُلَابَسَةِ، أَيْ فَاخْتُلِفَ اخْتِلَافًا يُلَابِسُهُ، أَيْ يُلَابِسُ الْكِتَابَ.

وَلِأَنَّ الْغَرَضَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِبَيَانِ الْمُخْتَلِفِينَ وَلَا بِذَمِّهِمْ لِأَنَّ مِنْهُمُ الْمَذْمُومَ وَهُمُ الَّذِينَ أَقْدَمُوا عَلَى إِدْخَالِ الِاخْتِلَافِ، وَمِنْهُمُ الْمَحْمُودَ وَهُمُ الْمُنْكِرُونَ عَلَى الْمُبَدِّلِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ [الْمَائِدَة: ٦٦] وَسَيَجِيءُ قَوْلُهُ:

وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ [هود: ١١١] ، بَلْ كَانَ لِلتَّحْذِيرِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهِ.

بُنِيَ فِعْلُ (اخْتُلِفَ) لِلْمَجْهُولِ إِذْ لَا غَرَضَ إِلَّا فِي ذِكْرِ الْفِعْلِ لَا فِي فَاعِلِهِ.

وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.

يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةٍ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [هود: ١٠٩] وَيَكُونُ الِاعْتِرَاضُ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَاخْتُلِفَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَضَمِيرُ بَيْنَهُمْ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ: مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [هود: ١٠٩] أَيْ وَلَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ أَنْ يُؤَخِّرَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، أَيْ لَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمْ، فَأَهْلَكَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُخَالِفِينَ وَنَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ هُوَ نَائِبُ فَاعِلِ (قُضِيَ) . وَالتَّقْدِيرُ: لَوَقَعَ الْعَذَابُ بَيْنَهُمْ، أَيْ فِيهِمْ.