وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَيَكُونُ ضَمِيرُ بَيْنَهُمْ عَائِدًا إِلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: فَاخْتُلِفَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَمَاعَةً مُخْتَلِفِينَ فِي أَحْكَامِ الْكِتَابِ. وَيَكُونُ بَيْنَهُمْ مُتَعَلِّقًا بِ (قُضِيَ) ، أَيْ لِحُكْمٍ بَيْنَهُمْ بِإِظْهَارِ الْمُصِيبِ مِنَ الْمُخْطِئِ فِي أَحْكَامِ
الْكِتَابِ فَيَكُونُ تَحْذِيرًا مِنَ الِاخْتِلَافِ، أَيْ أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَمْهَلَ اللَّهُ الْمُخْتَلِفِينَ فَتَرَكَهُمْ فِي شَكٍّ. وَلَيْسَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فَيُوقِفَهُمْ عَلَى تَمْيِيزِ الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبْطِلِ، أَيْ فَعَلَيْكُمْ بِالْحَذَرِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنِ اخْتَلَفْتُمْ بَقِيتُمْ فِي شَكٍّ وَلَحِقَكُمْ جَزَاءُ أَعْمَالِكُمْ.
والكلمة هِيَ إِرَادَةُ اللَّهِ الْأَزَلِيَّةُ وَسُنَّتُهُ فِي خَلْقِهِ. وَهِيَ أَنَّهُ وَكَلَّ النَّاسَ إِلَى إِرْشَادِ الرُّسُلِ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ، ثُمَّ إِلَى بَذْلِ الِاجْتِهَادِ التَّامِّ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ، وَالسَّعْيِ إِلَى الِاتِّفَاقِ وَنَبْذِ الْخِلَافِ بِصَرْفِ الْأَفْهَامِ السَّدِيدَةِ إِلَى الْمَعَانِي، وَبِالْمُرَاجَعَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالتَّبَصُّرِ فِي الْحَقِّ، وَالْإِنْصَافِ فِي الْجَدَلِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَأَنْ يَجْعَلُوا الْحَقَّ غَايَتَهُمْ وَالِاجْتِهَادَ دَأْبَهُمْ وَهِجِّيرَاهُمْ. وَحِكْمَةُ ذَلِكَ هِيَ أَنَّ الْفَصْلَ وَالِاهْتِدَاءَ إِلَى الْحَقِّ مُصْلَحَةٌ لِلنَّاسِ وَمَنْفَعَةٌ لَهُمْ لَا لِلَّهِ. وَتَمَامُ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَنْ يَبْذُلُوا اجْتِهَادَهُمْ وَيَسْتَعْمِلُوا أَنْظَارَهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى زِيَادَةِ تَعَقُّلِهِمْ وَتَفْكِيرِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١١٥] وَقَوْلِهِ: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٧] .
وَوَصَفَهَا بِالسَّبْقِ لِأَنَّهَا أَزَلِيَّةٌ، بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهَا، وَبِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى سُنَّةٍ كُلِّيَّةٍ تَقَرَّرَتْ مِنْ قَبْلُ.
وَمَعْنَى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ قَضَاءُ اسْتِئْصَالِ الْمُبْطِلِ وَاسْتِبْقَاءِ الْمُحِقِّ، كَمَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الرُّسُلِ وَالْمُكَذِّبِينَ، وَلَكِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ اقْتَضَتْ خِلَافَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَهْمِ الْأُمَّةِ كِتَابَهَا.
وَضَمِيرُ بَيْنَهُمْ يَعُودُ إِلَى الْمُخْتَلِفِينَ الْمُفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute