للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ بَيَانٌ لِلْكَيْدِ بِاعْتِبَارِ جَمِيعِ مَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ السِّقَايَةِ وَمِنْ حُكْمِ إِخْوَتِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا يُلَائِمُ مَرْغُوبَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ إِبْقَاءِ أَخِيهِ عِنْدَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ شَرِيعَةُ الْقِبْطِ تُخَوِّلُهُ ذَلِكَ، فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ شَرْعَهُمْ فِي جَزَاءِ السَّارِقِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الشَّيْءُ وَيُضْرَبَ وَيُغَرَّمَ ضِعْفَيِ الْمَسْرُوقِ أَوْ ضِعْفَيْ قِيمَتِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي دِينِ الْمَلِكِ أَيْ حُكْمِهِ وَهُوَ استرقاق السراق. وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ لِقَوْلِهِ: مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ أَيْ لَوْلَا حِيلَةُ وَضْعِ الصُّوَاعِ فِي مَتَاعِ أَخِيهِ. وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا شَائِعًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمَمِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ [سُورَة يُوسُف: ٧٥] كَمَا تَقَدَّمَ، أَيْ أَنَّ مَلِكَ

مِصْرَ كَانَ عَادِلًا فَلَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ فِي بِلَادِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَمِثْلُهُ مَا كَانَ فِي شَرْعِ الرُّومَانِ مِنِ اسْتِرْقَاقِ الْمَدِينِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدِّينِ الشَّرِيعَةٌ لَا مُطْلَقُ السُّلْطَانِ.

وَمَعْنَى لَامِ الْجَحُودِ هُنَا نَفْيُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سَبَبٌ يُخَوِّلُ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخْذَ أَخِيهِ عِنْدَهُ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ عُمُومِ أَسْبَابِ أَخْذِ أَخِيهِ الْمَنْفِيَّةِ. وَفِي الْكَلَامِ حَرْفُ جَرٍّ مَحْذُوفٌ قَبْلَ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ، وَهُوَ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا نَفْيُ الْأَخْذِ، أَيْ أَسْبَابُهُ. فَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَيْ يُلْهِمَ تَصْوِيرَ حَالَتِهِ وَيَأْذَنَ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي عَمَلِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْجَمَّةِ لِيُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ.

وَجُمْلَةُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ تَذْيِيلٌ لِقِصَّةِ أَخْذِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَخَاهُ لِأَنَّ فِيهَا رَفْعَ دَرَجَةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْحَالِ بِالتَّدْبِيرِ الْحَكِيمِ مِنْ وَقْتِ مُنَاجَاتِهِ أَخَاهُ إِلَى وَقْتِ اسْتِخْرَاجِ السِّقَايَةِ مِنْ رَحْلِهِ. وَرَفْعَ دَرَجَةِ أَخِيهِ فِي الْحَالِ بِإِلْحَاقِهِ لِيُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْعَيْشِ الرَّفِيهِ وَالْكَمَالِ بِتَلَقِّي الْحِكْمَةِ مِنْ فِيهِ. وَرَفْعَ دَرَجَاتِ إِخْوَتِهِ وَأَبِيهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِسَبَبِ رَفْعِ دَرَجَةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَحُنُوِّهِ عَلَيْهِمْ. فَالدَّرَجَاتُ مُسْتَعَارَةٌ لِقُوَّةِ الشَّرَفِ مِنِ