اسْتِعَارَةِ الْمَحْسُوسِ لِلْمَعْقُولِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٢٨] ، وَقَوْلِهِ: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٤] .
وَجُمْلَةُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ ثَانٍ لِجُمْلَةِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ الْآيَةَ.
وَفِيهَا شَاهِدٌ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ الْمُؤْذِنِ بِأَنَّ عِلْمَ الَّذِي خَلَقَ لَهُمُ الْعِلْمَ لَا يَنْحَصِرُ مَدَاهُ، وَأَنَّهُ فَوْقَ كُلِّ نِهَايَةٍ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ.
وَالْفَوْقِيَّةُ مَجَازٌ فِي شَرَفِ الْحَالِ، لِأَنَّ الشَّرَفَ يُشَبَّهُ بِالِارْتِفَاعِ.
وَعَبَّرَ عَنْ جِنْسِ الْمُتَفَوِّقِ فِي الْعِلْمِ بِوَصْفِ عَلِيمٌ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ إِلَى الْعَلِيمِ الْمُطْلَقِ سُبْحَانَهُ.
وَظَاهِرُ تَنْكِيرِ عَلِيمٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَيَعُمُّ كُلَّ مَوْصُوفٍ بِقُوَّةِ الْعِلْمِ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. فَعُمُومُ هَذَا الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقَاتِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَيَتَعَيَّنُ تَخْصِيصُ هَذَا الْعُمُومِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ الْعَقْلِ إِذْ لَيْسَ فَوْقَ اللَّهِ عَلِيمٌ.
وَقَدْ يُحْمَلُ التَّنْكِيرُ عَلَى الْوَحْدَةِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ عَلِيمٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ التَّنْكِيرُ لِلْوَحْدَةِ
وَالتَّعْظِيمِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّخْصِيصِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بِإِضَافَةِ دَرَجاتٍ إِلَى مَنْ نَشاءُ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَعَاصِمٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ بِتَنْوِينِ دَرَجاتٍ عَلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِتَعَلُّقِ فِعْلِ نَرْفَعُ بِمَفْعُولِهِ وَهُوَ مَنْ نَشاءُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute