للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفَسَّرَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ يَكُونُ نَادِرَ الْوُقُوعِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَعَجَّبَ مِنْهُ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَلَّ اسْتِعْمَالُ التَّاءِ إِلَّا مَعَ اسْمِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّ الْقَسَمَ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ أَقْوَى الْقَسَمِ.

وَجَوَابُ الْقسم هُوَ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْغَايَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْيَمِينِ الْإِشْفَاقُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَائِرٌ إِلَى الْهَلَاكِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَنَاسِيهِ مُصِيبَةَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ تَحْقِيقَ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ تَذَكُّرِ يُوسُفَ. وَجَوَابُ الْقَسَمِ هُنَا فِيهِ حَرْفُ النَّفْيِ مُقَدَّرٌ بِقَرِينَةِ عَدَمِ قَرْنِهِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُثْبَتًا لَوَجَبَ قَرْنُهُ بِنُونِ التَّوْكِيدِ فَحُذِفَ حَرْفُ النَّفْيِ هُنَا.

وَمعنى تَفْتَؤُا تفتر. يُقَال: فتىء مِنْ بَابِ عَلِمَ، إِذَا فَتَرَ عَنِ الشَّيْءِ. وَالْمَعْنَى: لَا تَفْتُرُ فِي حَالِ كَوْنِكَ تَذْكُرُ يُوسُفَ. وَلِمُلَازَمَةِ النَّفْيِ لِهَذَا الْفِعْلِ وَلُزُومِ حَالٍ يَعْقُبُ فَاعِلَهُ صَارَ شَبِيهًا بِالْأَفْعَالِ النَّاقِصَةِ.

وحَرَضاً مَصْدَرٌ هُوَ شِدَّةُ الْمَرَضِ الْمُشْفِي عَلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ، أَيْ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا، أَيْ بَالِيًا لَا شُعُورَ لَكَ. وَمَقْصُودُهُمُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ صَدًّا لَهُ عَنْ مُدَاوَمَةِ ذِكْرِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى لِسَانِهِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ بِاللِّسَانِ يُفْضِي إِلَى دَوَامِ حُضُورِهِ فِي ذِهْنِهِ.

وَفِي جَعْلِهِمُ الْغَايَةَ الْحَرَضَ أَوِ الْهَلَاكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُ يَذْكُرُ أَمْرًا لَا طَمَعَ فِي تَدَارُكِهِ، فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّ ذِكْرَهُ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُوَجَّهٌ إِلَى اللَّهِ دُعَاءً بِأَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ. فَقَوْلُهُ: يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ تَعْرِيضٌ بِدُعَاءِ اللَّهِ أَنْ يُزِيلَ أَسَفَهُ بِرَدِّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَهْلِكْ وَلَكِنَّهُ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ أَوْ بِفِرَاسَةٍ صَادِقَةٍ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْإِلْهَامِ عِنْد الصُّوفِيَّة.

فجملةنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ

مُفِيدَةٌ قَصْرَ شَكْوَاهُ عَلَى التَّعَلُّقِ بِاسْمِ اللَّهِ، أَيْ يَشْكُو إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى نَفْسِهِ لِيُجَدِّدَ الْحُزْنَ، فَصَارَتِ الشَّكْوَى بِهَذَا الْقَصْدِ ضَرَاعَةً وَهِيَ عِبَادَةٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ، وَصَارَ ابْيِضَاضُ عَيْنَيْهِ النَّاشِئُ عَنِ التَّذَكُّرِ