فِدَاءِ (بِنْيَامِينَ) حِينَ أُخِذَ فِي حُكْمِ تُهْمَةِ السَّرِقَةِ وَفِي طَلَبِ سَرَاحِهِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ مَعَ الْإِلْحَاحِ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يَعْرِفُ مِنْهُمْ مُعَاكَسَةَ أَبِيهِمْ فِي شَأْنِ بِنْيَامِينَ عَلِمَ أَنَّهُمْ ثَابُوا إِلَى صَلَاحٍ.
وَإِنَّمَا كَاشَفَهُمْ بِحَالِهِ الْآنَ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى حَالِهِ يَقْتَضِي اسْتِجْلَابَ أَبِيهِ وَأَهْلِهِ إِلَى السُّكْنَى بِأَرْضِ وِلَايَتِهِ، وَذَلِكَ كَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَى أَشْيَاءَ لَعَلَّهَا لَمْ تَتَهَيَّأْ إِلَّا حِينَئِذٍ. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ [يُوسُف:
٧٩] فَقَدْ صَارَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَدَّ مَكِينٍ عِنْدَ فِرْعَوْنَ.
وَفِي الْإِصْحَاحِ (٤٥) مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ لِإِخْوَتِهِ حِينَئِذٍ «وَهُوَ- أَيِ اللَّهُ- قَدْ جَعَلَنِي أَبًا لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّدًا لِكُلِّ بَيْتِهِ وَمُتَسَلِّطًا عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ» .
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلِكَ الَّذِي أَطْلَقَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ السِّجْنِ وَجَعَلَهُ عَزِيزَ مِصْرَ قَدْ تُوُفِّيَ وَخَلَفَهُ ابْن لَهُ فجبه يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَصَارَ لِلْمَلِكِ الشَّابِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَصَارَ مُتَصَرِّفًا بِمَا يُرِيدُ، فَرَأَى الْحَالَ مُسَاعِدًا لِجَلْبِ عَشِيرَتِهِ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ.
وَلَا تُعْرَفُ أَسْمَاءُ مُلُوكِ مِصْرَ فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي كَانَ فِيهِ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّ الْمَمْلَكَةَ أَيَّامَئِذٍ كَانَتْ مُنْقَسِمَةً إِلَى مَمْلَكَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا مُلُوكُهَا مِنَ الْقِبْطِ وَهُمُ الْمُلُوك الَّذين يقسهم الْمُؤَرِّخُونَ الْإِفْرِنْجُ إِلَى الْعَائِلَاتِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ، وَالسَّادِسَةَ عَشْرَةَ، وَالسَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَبَعْضِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ.
وَالْمَمْلَكَةُ الثَّانِيَةُ مُلُوكُهَا مِنَ الْهُكْسُوسِ، وَيُقَالُ لَهُمُ: الْعَمَالِقَةُ أَوِ الرُّعَاةُ وَهُمْ عَرَبٌ.
وَدَامَ هَذَا الِانْقِسَامُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سنة من سَنَةً (٢٢١٤) قَبْلَ الْمَسِيحِ إِلَى سَنَةِ (١٧٠٣) قَبْلَ الْمَسِيح.
وَقَوْلهمْ: إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَشْعَرُوا مِنْ كَلَامِهِ ثُمَّ مِنْ مَلَامِحِهِ ثُمَّ مِنْ تَفَهُّمِ قَوْلِ أَبِيهِمْ لَهُمْ: أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
إِذْ قَدِ اتَّضَحَ لَهُمُ الْمَعْنَى التَّعْرِيضِيُّ مِنْ كَلَامِهِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مُرِيدًا نَفْسَهُ.