للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِـ (إِنَّ) وَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَضَمِيرِ الْفَصْلِ لِشِدَّةِ تَحَقُّقِهِمْ أَنَّهُ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وَأُدْخِلَ الِاسْتِفْهَامُ التَّقْرِيرِيُّ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهُمْ تَطَلَّبُوا تَأْيِيدَهُ لِعِلْمِهِمْ بِهِ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ إِنَّكَ بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَالْمُرَادُ لَازِمُ فَائِدَةِ الْخَبَرِ، أَيْ عَرَفْنَاكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ جَوَابَهُ بِ أَنَا يُوسُفُ مُجَرَّدٌ عَنِ التَّأْكِيدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَحَقِّقِينَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا تَأْيِيدُهُ لِذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: وَهذا أَخِي خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ جَمْعِ اللَّهِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ طُولِ الْفُرْقَةِ، فَجُمْلَةُ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا بَيَانٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ جُمْلَةِ وَهذا أَخِي.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا. فَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ وَبِنْيَامِينُ صَبَرَ وَلَمْ يَعْصِ اللَّهَ فَكَانَ تَقِيًّا. أَرَادَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَعْلِيمَهُمْ وَسَائِلَ التَّعَرُّضِ إِلَى نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَثَّهُمْ عَلَى التَّقْوَى وَالتَّخَلُّقِ بِالصَّبْرِ تَعْرِيضًا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّقُوا اللَّهَ فِيهِ وَفِي أَخِيهِ وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَى إِيثَارِ أَبِيهِمْ إِيَّاهُمَا عَلَيْهِمْ.

وَهَذَا مِنْ أَفَانِينِ الْخَطَابَةِ أَنْ يَغْتَنِمَ الْوَاعِظُ الْفُرْصَةَ لِإِلْقَاءِ الْمَوْعِظَةِ، وَهِيَ فُرْصَةُ تَأَثُّرِ السَّامِعِ وَانْفِعَالِهِ وَظُهُورِ شَوَاهِدِ صِدْقِ الْوَاعِظِ فِي مَوْعِظَتِهِ.

وَذِكْرُ الْمُحْسِنِينَ وَضْعٌ لِلظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ إِذْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَهُمْ. فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى الْمُحْسِنِينَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْإِحْسَانِ، وَلِلتَّعْمِيمِ فِي الْحُكْمِ لِيَكُونَ كَالتَّذْيِيلِ، وَيَدْخُلَ فِي عُمُومِهِ هُوَ وَأَخُوهُ.

ثُمَّ إِنَّ هَذَا فِي مَقَامِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ وَإِظْهَارُ الْمَوْعِظَةِ سَائِغٌ لِلْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُ مِنَ التَّبْلِيغِ

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِهِ»

.