وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كثير، وَأَبُو عَمْرو، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ:
أَفَلا تَعْقِلُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى الِالْتِفَاتِ، لِأَنَّ الْمُعَانِدِينَ لَمَّا جَرَى ذِكْرُهُمْ وَتَكَرَّرَ صَارُوا كَالْحَاضِرِينَ فَالْتُفِتْ إِلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَلَى نَسَقِ مَا قَبْلَهُ.
وحَتَّى مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَهِيَ عَاطِفَةٌ جملَة إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ عَلَى جُمْلَةِ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا
حُجَّةٌ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ، فَتَقْدِيرُ الْمَعْنَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِمْ فَكَذَّبَهُمُ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى التَّكْذِيبِ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّ إِذَا اسْمُ زَمَانٍ مُضَمَّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ فَهُوَ يَلْزَمُ الْإِضَافَةَ إِلَى جُمْلَةٍ تُبَيِّنُ الزَّمَان، وَجُمْلَة اسْتَيْأَسَ مُضَافٌ إِلَيْهَا إِذَا، وَجُمْلَةُ جاءَهُمْ نَصْرُنا جَوَابُ إِذَا لِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ جَلْبِ إِذَا فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ. وَالْمُرَادُ بِالرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- غَيْرُ الْمُرَادِ بِ رِجالًا، فَالتَّعْرِيفُ فِي الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- تَعْرِيفُ الْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَهُوَ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِإِعْطَاءِ الْكَلَامِ اسْتِقْلَالًا بِالدَّلَالَةِ اهْتِمَامًا بِالْجُمْلَةِ.
وَآذَنَ حَرْفُ الْغَايَةِ بِمَعْنًى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا بِمَا قُصِدَ بِهَا مِنْ مَعْنَى قَصْدِ الْأُسْوَةِ بِسَلَفِهِ مِنَ الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-. وَالْمَعْنَى: فَدَامَ تَكْذِيبُهُمْ وَإِعْرَاضُهُمْ وَتَأَخَّرَ تَحْقِيقُ مَا أَنْذَرُوهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ حَتَّى اطْمَأَنُّوا بِالسَّلَامَةِ وَسَخِرُوا بِالرُّسُلِ وَأَيِسَ الرُّسُلُ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مِنْ إِيمَان قَومهمْ.
واسْتَيْأَسَ مُبَالَغَةٌ فِي يَئِسَ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [سُورَة يُوسُف: ٨٧] .
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا قِرَاءَةُ الْبَزِّيِّ بِخِلَافٍ عَنْهُ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْيَاءِ. فَهَذِهِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ فِي هَذِهِ السُّورَةِ خَالَفَ فِيهَا الْبَزِّيُّ رِوَايَةً عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute