وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: «أَكُذِّبُوا أَمْ كُذِبُوا- أَيْ بِالْخَفِيفِ أَمْ بِالشَّدِّ- قَالَتْ: كُذِّبُوا- أَيْ بِالشَّدِّ- قَالَ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ فَهِيَ قَدْ كُذِبُوا- أَيْ بِالتَّخْفِيفِ-، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ يَكُنِ الرُّسُلُ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعُ الَّذِينَ آمَنُوا وَصَدَّقُوا فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ وَاسْتَأْخَرَ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مِنْ إِيمَانِ مَنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنَّتِ الرُّسُلُ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ مُكَذِّبُوهُمُ» اه. وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- رَأْيٌ لَهَا فِي التَّفْسِيرِ وَإِنْكَارُهَا أَنْ تَكُونَ كُذِبُوا مُخَفَّفَةً إِنْكَارٌ يَسْتَنِدُ بِمَا يَبْدُو مِنْ عَوْدِ الضَّمَائِرِ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الرُّسُلُ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ، وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ قَدْ بَلَغَتْهَا رِوَايَةُ كُذِبُوا بِالتَّخْفِيفِ.
وَتَفْرِيعُ فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ عَلَى جاءَهُمْ نَصْرُنا لِأَنَّ نَصْرَ الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- هُوَ تَأْيِيدُهُمْ بِعِقَابِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُمْ بِنُزُولِ الْعَذَابِ وَهُوَ الْبَأْسُ، فَيُنْجِي اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَا يَرُدُّ الْبَأْسَ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
وَالْبَأْسُ: هُوَ عَذَابُ الْمُجْرِمِينَ الَّذِي هُوَ نصر للرسل- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-..
وَالْقَوْمُ الْمُجْرِمُونَ: الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ فَنُنْجِي بِنُونَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مُضَارِعَ أَنْجَى. ومَنْ نَشاءُ مَفْعُولُ نُنْجِي. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فَنُجِّيَ- بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مَضْمُومَةٍ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَكْسُورَةً وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ- عَلَى أَنَّهُ مَاضِي نَجَّى الْمُضَاعَفِ بُنِيَ لِلنَّائِبِ، وَعَلَيْهِ فَ مَنْ نَشاءُ هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاضِي فِي (نُجِّيَ) وَالْمُضَارِعِ فِي نَشاءُ احْتِبَاكٌ تَقْدِيرُهُ فَنُجِّيَ مَنْ شِئْنَا مِمَّنْ نَجَا فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ وَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ من المكذبين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute